قانون المالية 2025: تفاصيل الامتيازات الجديدة وتأثيرها الفعلي على السوق التونسية
هذه القرارات ليست تقنية فقط، بل لها أبعاد اجتماعية، مالية ونقدية قد تؤثر بشكل مباشر في تركيبة السوق، حركة العملة الصعبة، وحتى موازين الاستهلاك. المقال التالي يقدّم قراءة تحليلية معمّقة لهذه الإجراءات، بناءً على ما كشفه الهاني وعلى سياقات اقتصادية محلية ودولية.
أولاً: امتياز السيارة العائلية – بين دعم الطبقة الوسطى وتنشيط الواردات
أوضح الهاني أنّ امتياز السيارة العائلية موجّه لكل عائلة تونسية مقيمة في تونس، ويُمنح مرة واحدة فقط مدى الحياة، ويتيح اقتناء سيارة محلية أو موردة وفق شروط مضبوطة. اختيار سعة أسطوانية أقل من 1600 صم للبنزين و1900 صم للديزل يعكس رغبة الدولة في استقدام سيارات ذات استهلاك اقتصادي وتقليل الضغط على فاتورة الطاقة.
من الناحية الاقتصادية، يُعدّ هذا الإجراء محاولة لإعادة تحريك سوق السيارات الذي يعرف ركودًا منذ سنتين بسبب ارتفاع الأسعار ونقص السيولة. ووفق بيانات المعهد التونسي للتنافسية والدراسات الكمية، فإن مبيعات السيارات الجديدة تراجعت بنحو 23% بين 2023 و2024 بسبب التضخم وارتفاع أسعار الفائدة.
تقليل الكلفة الجمركية
تحديد الأداءات بـ10% ديوانة و7% TVA يجعل الامتياز جذابًا مقارنة بالأسعار الحالية التي تتجاوز في بعض الحالات 30% من قيمة السيارة. ويُتوقّع أن يؤدي هذا التخفيض إلى:
- زيادة الطلب على السيارات الاقتصادية.
- تحريك قطاع البيع والوكالات.
- تحسين موارد الدولة عبر توسعة قاعدة المطالبين، بدلًا من الاعتماد على الضريبة العالية لكل سيارة.
شروط الدخل وتأثيرها على العدالة الاجتماعية
ضبط سقف الدخل بـ10 مرات الأجر الأدنى للعامل الواحد و14 مرة للزوجين يكشف محاولة لاستهداف الطبقة الوسطى العليا، أي الفئة القادرة على التمويل دون أن تكون من ذوي الثروات الكبيرة.
لكن اقتصاديًا، يطرح هذا السقف جدلًا لأن أغلب العائلات في تونس تقع تحت هذا المستوى، ما يجعل عدد المطالب المحتملة كبيرًا مقارنة الحصة السنوية المقدرة بـ5 إلى 6 آلاف سيارة. وقد يؤدي هذا إلى انتظار طويل وضغط على المنظومة الإدارية.
ثانياً: كيفية توفير العملة – قراءة نقدية
من بين أكثر النقاط المثيرة للنقاش، السماح للعائلات بالحصول على ترخيص استثنائي لشراء العملة الأجنبية بغرض اقتناء السيارة. هذا القرار يبدو استثنائيًا خصوصًا في ظل سياسة البنك المركزي الحذرة تجاه احتياطي العملة.
بحسب آخر تقارير البنك المركزي التونسي، بلغت احتياطيات العملة مستوى يعادل 120 يوم توريد تقريبًا، وهو رقم مستقر لكنه لا يتحمل موجات سحب كبيرة من السوق.
تحليلًا، يمكن للترخيص الاستثنائي أن يكون له تأثيران متناقضان:
- إيجابي: يقلل اللجوء إلى السوق السوداء لشراء العملة.
- سلبي: قد يرفع الضغط على الاحتياطي في حال قبول عدد كبير من المطالب.
كما أنّ السماح باستعمال جزء من المنحة السياحية يعكس رغبة الدولة في تدوير العملة غير المستعملة بدل خروجها نحو السوق الموازية.
ثالثاً: الامتياز مقابل السيارة الشعبية – قراءة في الخلفيات
منع المنتفعين بالسيارة الشعبية من التمتع بهذا الامتياز يُظهر رغبة الدولة في توزيع الفرص على مختلف الفئات، لكنّه أيضًا يعكس استراتيجية مالية واضحة:
السيارة الشعبية مدعومة، والامتياز الجديد غير مكلف للميزانية، بل يدرّ موارد إضافية.
وبالتالي، يتم انتقال تدريجي من الدعم المباشر إلى الامتيازات التنظيمية، وهو توجّه عالمي تتبعه بلدان مثل المغرب ومصر لتخفيف الضغط عن ميزانية الدولة.
رابعاً: فتح الحسابات بالعملة الأجنبية – تحوّل تاريخي
الفصل 98 من قانون المالية يمكّن أي تونسي مقيم من فتح حساب بالعملة الأجنبية دون ترخيص مسبق. هذا القرار يُعتبر تحولًا جذريًا، لأن الترخيص كان شرطًا أساسيًا منذ التسعينات وفق مجلة الصرف.
اقتصاديًا، هذا الفصل قد يؤدي إلى:
- تحسين شفافية حركة العملة.
- تقليل التداول الموازي.
- جذب تحويلات استثنائية قانونية.
- تشجيع أصحاب المهن الرقمية على العمل في السوق الرسمية.
ويُذكر أنّ تونس تصنف ضمن الدول التي لديها أعلى نسب تحويلات عبر القنوات غير الرسمية، حسب تقارير
البنك الدولي، وهو ما يجعل هذا الفصل أداة لمقاومة الاقتصاد الموازي.
منع تغذية الحساب بأموال مجهولة المصدر
القانون يمنع تغذية الحسابات بأموال السوق السوداء ويُلزم بإثبات مصدر العملة. هذا الشرط يُعتبر أساسياً لضمان:
- مكافحة تبييض الأموال.
- إدماج الأنشطة الاقتصادية الناشئة (الـFreelance – الخدمات الرقمية) ضمن اقتصاد رسمي قابل للمراقبة.
كما يُنتظر أن يصدر أمر ترتيبي يحدد بدقة الإجراءات، ما قد يفتح المجال مستقبلاً لاعتماد وسائل دفع دولية وتسهيل التجارة الإلكترونية.
خامساً: قراءة مستقبلية – كيف ستتغيّر السوق خلال 2025؟
وفق التحليل الاقتصادي، من المتوقع أن تحدث ثلاثة تغييرات أساسية:
- انتعاش سوق السيارات: الامتياز قد يرفع الطلب بنسبة 7% خلال سنة 2025 رغم محدودية الحصة المقدمة.
- تحسّن نسبي في شفافية التعامل بالعملة: فتح الحسابات يمكن أن يساعد البنك المركزي على مراقبة التدفقات المالية.
- ضغط محدود على الاحتياطي: إذا تجاوز عدد المطالب 20 ألفًا سنويًا قد تظهر توترات في توازن العملة.
كما أنّ الربط بين الامتيازين (السيارة + الحساب بالعملة) يعكس توجّهًا نحو تحرير تدريجي للسوق المالية دون رفع الرقابة بالكامل، وهي استراتيجية تتماشى مع توصيات صندوق النقد الدولي، والتي يمكن الرجوع إليها عبر
تقارير صندوق النقد الدولي.
خاتمة
قانون المالية 2025 يحمل تغييرات جوهرية قد تُعيد رسم علاقة المواطن بالسيارة وبالتعامل بالعملة الأجنبية. الامتيازات الجديدة تبدو موجهة لدعم الطبقة الوسطى، لكن تأثيرها الفعلي سيحدده الإطار الترتيبي ومدى توازن السوق النقدية في الأشهر القادمة.
المرحلة القادمة ستكون اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة الدولة على إدارة هذه الإصلاحات دون خلق ضغط إضافي على الاحتياطي النقدي أو ترك فجوات يستغلها السوق الموازي.
