السوق التونسية لزيت الزيتون: قراءة اقتصادية في أسعار القيروان ومؤشرات الجودة لموسم 2024-2025
تشهد تونس قفزة في إنتاج زيت الزيتون بنسبة 55% لتصل إلى 340 ألف طن في موسم 2024-2025، مع مساهمة القيروان وسيدي بوزيد بـ31% من الإنتاج الوطني. انطلقت عمليات قبول الزيت لدى الديوان الوطني بأسعار تتراوح بين 11.5-12 دينار للكيلوغرام، وسط تقييمات دقيقة للجودة ترتبط بالسوق الدولية.
قفزة نوعية في الإنتاج الوطني
انطلقت رسميًا يوم 17 نوفمبر 2025 عمليات قبول زيت الزيتون لدى المراكز الجهوية للديوان الوطني للزيت، بما فيها مركز القيروان، في خطوة تُعد محورية ضمن استراتيجية تنظيم السوق الوطنية. يأتي هذا التحرك مع إنتاج وطني مرتقب بـ1.7 مليون طن من الزيتون، أي ما يعادل 340 ألف طن من زيت الزيتون، مسجلًا تطورًا بنسبة 55% مقارنة بالموسم السابق.
تساهم ولايتا القيروان وسيدي بوزيد بنسبة 31% من الإنتاج الوطني، مع استحواذ منطقة الوسط على 35% من الإنتاج الجملي. هذه الأرقام تعكس أهمية القيروان كقطب إنتاجي استراتيجي، خاصة مع اعتماد 60% من الإنتاج على الري، مما يضمن استقرار الجودة والكميات.
ديناميكية الأسعار في ظل المتغيرات الدولية
تراوحت الأسعار المعلنة من الديوان الوطني للزيت بين 12 دينارًا و11.5 دينار للكيلوغرام، وهي مستويات تعكس توازنًا دقيقًا بين وفرة الإنتاج المحلي والتقلبات السعرية العالمية. على مستوى السوق الحرة، من المتوقع أن تستقر الأسعار بين 12-15 دينار للتر، في حين قد تتراوح أسعار البيع بالتجزئة بين 18-22 دينار حسب الجودة والتعبئة.
شهدت الأسواق العالمية انخفاضًا ملحوظًا في أسعار زيت الزيتون بنسبة 49.4% خلال الأشهر العشرة الأولى من موسم 2024-2025، ليستقر السعر عند 13.40 دينار للكيلوغرام مقابل 26.51 دينار في أغسطس 2024. هذا الانخفاض يعزى إلى تعافي الإنتاج في الدول المتوسطية الكبرى، حيث ارتفع إنتاج إسبانيا بنسبة 51% وتركيا بنسبة 109%.
في السياق الأوروبي، تراوحت أسعار زيت الزيتون البكر الممتاز التونسي بين 4.23 يورو/كغ، بينما بلغت في منطقة الأندلس الإسبانية 4.30 يورو/كغ خلال سبتمبر-أكتوبر 2025. هذه الأسعار التنافسية تعزز موقع تونس كمصدّر استراتيجي للأسواق الأوروبية والخليجية.
منظومة التحاليل المخبرية: ضمان الجودة والتصنيف
أصبح التحليل العلمي لجودة الزيت عنصرًا حاسمًا في تحديد القيمة الاقتصادية للمنتج وقدرته على النفاذ للأسواق الدولية. يُخضع الديوان الوطني للزيت كل الكميات المقبولة لسلسلة من الفحوصات المخبرية والحسية لضمان المواصفات القياسية المطلوبة عالميًا.
المؤشرات الفيزيوكيميائية
قياس الحموضة: يُعد المؤشر الرئيسي في تصنيف الزيت (ممتاز، بكر، لامبانتي). انخفاض نسبة الحموضة عن 0.8% يرفع قيمة الزيت التصديرية بشكل كبير، ويسمح بتصنيفه كزيت بكر ممتاز.
اختبارات الأكسدة: تحدد قدرة الزيت على الحفاظ على جودته أثناء التخزين والتصدير. الزيت ذو مؤشر البيروكسيد المنخفض يحظى بأسعار أفضل لدى المصدّرين والمستوردين الأوروبيين.
التقييم الحسي والعيوب
تلجأ لجان التذوق المعتمدة إلى تقييم النكهة والرائحة واللون، لتحديد مدى خلو الزيت من العيوب الحسية (التزنُّخ، الطعم الترابي، الحموضة الزائدة). هذا التقييم يلعب دورًا فاصلًا في قبول الزيت بالأسواق ذات المعايير الصارمة كإيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة.
آلية القبول من أصحاب المعاصر والفلاحين
بالنسبة للفلاحين الصغار، يتم قبول الزيت مباشرة في المراكز الجهوية بعد أخذ عينات للتحليل. أما أصحاب المعاصر، فتتولى فرق متخصصة من الديوان زيارة المنشآت وأخذ العينات وتشميع الماجل (الخزانات) لضمان الشفافية والمصداقية.
اعتماد نظام الخلاص عبر التحويل البنكي في غضون أيام قليلة يُخفف الضغط المالي على الفلاحين خلال موسم الجني الذي يشهد نفقات مرتفعة على اليد العاملة، النقل، وعمليات العصر. هذه الآلية تُعد حماية اقتصادية للمنتجين من تقلبات السوق الفورية.
الطاقة التخزينية ورهان التصدير
تتجاوز الطاقة الوطنية لتخزين زيت الزيتون 450 ألف طن، منها 90 ألف طن لدى الديوان الوطني للزيت، وهو ما يوفر هامش أمان كبيرًا لاستيعاب الإنتاج الحالي. هذه السعة الاستراتيجية تسمح بإدارة السوق وتجنب فائض العرض الذي يضغط على الأسعار، خاصة خلال فترة ذروة الجني.
حققت تونس حتى نهاية جوان 2025 صادرات بلغت 183 ألف طن، بزيادة 45% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. من المتوقع أن توجه حوالي 300 ألف طن من الإنتاج الحالي للتصدير، خاصة نحو الأسواق الأوروبية (إيطاليا، إسبانيا، فرنسا) والخليجية.
تونس في السياق العالمي
تحتل تونس المرتبة الثانية عالميًا في إنتاج زيت الزيتون لموسم 2024-2025 بعد إسبانيا، وتمثل 10% من الإنتاج العالمي. يقدر المجلس الدولي للزيتون الإنتاج العالمي بـ3.38 مليون طن، بزيادة 32% مقارنة بالموسم السابق.
تعتبر تركيا المنافس الأول لتونس في التصدير نحو أوروبا من حيث الكمية، مع إنتاج قياسي بلغ 450 ألف طن هذا الموسم. لكن تونس تحافظ على ميزة تنافسية من خلال جودة الزيت والالتزام بمعايير المجلس الدولي للزيتون، خاصة في فئة الزيت البيولوجي (العضوي) الذي يتم تصديره بأسعار متميزة تبلغ 13.68 دينار/كغ.
التوقعات للمواسم القادمة
تتوقع وزيرة الصناعة والطاقة التونسية زيادة إنتاج زيت الزيتون بنسبة 47% في موسم 2025-2026 ليبلغ حوالي 500 ألف طن. هذه التوقعات مبنية على توسيع المساحات المروية وتحسين تقنيات الجني والعصر، مع تركيز خاص على رفع نسبة الزيت البيولوجي الموجه للتصدير.
على مستوى السوق العالمية، من المتوقع أن ينمو سوق زيت الزيتون بمعدل سنوي مركب 4.7% حتى عام 2029، مدفوعًا بالوعي الصحي المتزايد والطلب على المنتجات الطبيعية والعضوية. هذا الاتجاه يفتح فرصًا واعدة للمنتجين التونسيين لتعزيز حضورهم في الأسواق الدولية.
روابط ومصادر اقتصادية
