إسقاط الفصل 20 من قانون المالية لسنة 2026… قرار يقلب التوازنات المالية في تونس
وأوضح الهاني أن قرار إسقاط هذا الفصل جاء على خلفية غياب القوائم المالية للصناديق الاجتماعية لسنتي 2023 و2024، وعدم مدّ النواب بالمعطيات الضرورية لتقييم الوضعية الحقيقية لهذه الصناديق. كما أشار إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية لم تقدّم مبررات مقنعة لتواصل العمل بهذا الإجراء الاستثنائي الذي تم إقراره منذ سنة 2018 بشكل ظرفي قبل أن يتحول إلى مورد دائم دون تقييم واضح.
إسقاط هذا الفصل يفتح نقاشًا واسعًا داخل أروقة المالية العمومية، إذ يُعدّ إجراء الاقتطاع بنسبة 0.5% واحدًا من أهم المساهمات التي اعتمدتها الدولة في السنوات الأخيرة لدعم الصناديق الاجتماعية، وخاصة الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية والصندوق الوطني للتأمين على المرض. ورغم أن الهدف الأصلي كان يرتبط بتجاوز الأزمة المالية لهذه الصناديق، إلا أن عدم نشر تقارير مالية رسمية يُعدّ نقطة ضعف هيكلية تمنع النواب من اتخاذ قرار مبني على المعطيات.
من الناحية التقنية، فإن استمرار فرض ضريبة استثنائية دون تقييم يُعتبر إخلالاً بقواعد الشفافية الجبائية التي تُعدّ جزءًا أساسياً من حسن إدارة المالية العمومية، خصوصًا في ظل ارتفاع الضغط الجبائي على الأفراد والمؤسسات. كما أن عدم توضيح حجم الموارد المتحصلة من هذه المساهمة خلال السنوات السابقة يزيد من غموض الملف، ويجعل النواب أمام خيار إسقاط الفصل إلى حين الحصول على كل البيانات المطلوبة.
ووفق مصادر داخل اللجنة، فإن أغلب أعضاء لجنة المالية اعتبروا أن التمديد لسنتين إضافيتين دون تقديم معطيات محاسبية دقيقة يُفقد الإجراء مشروعيته. كما عبّر بعض النواب عن استغرابهم من غياب أي رؤية إصلاحية عميقة تخصّ الصناديق الاجتماعية، خاصة وأن تقارير عديدة حذرت من اختلالات هيكلية داخلها تتطلب إصلاحات بنيوية عوض الاعتماد على حلول ظرفية.
كما أثار إسقاط الفصل 20 تساؤلات حول استراتيجية الدولة في التعامل مع عجز الصناديق الاجتماعية، إذ يُتوقّع أن يؤدي غياب هذا المورد المالي الإضافي إلى زيادة الضغط على ميزانية الدولة، ما لم تُتَّخذ إجراءات إصلاحية جذرية تشمل معالجة كتلة الأجور، تطوير الحوكمة، رقمنة الخدمات، وإصلاح منظومة التمويل الاجتماعي.
في المقابل، اعتبر عدد من الخبراء أن إسقاط الفصل قد يكون خطوة إيجابية نحو استرجاع ثقة المواطنين، خاصة في ظل الانتقادات المتواصلة للضغط الجبائي المرتفع الذي لا يوازيه تحسين ملموس في جودة الخدمات الاجتماعية. ويرى المختصون أن معالجة الأزمة تتطلب خطة إصلاح شاملة وليس إجراءات ظرفية متفرقة.
إلى جانب ذلك، يسلّط القرار الضوء من جديد على أهمية نشر التقارير المالية الدورية للصناديق الاجتماعية، بما في ذلك القوائم المالية المدققة لسنة 2023 و2024، وهو ما سيُمكّن البرلمان والرأي العام من الاطلاع على الوضعية الحقيقية لهذه المؤسسات التي تُعدّ حجر الأساس في النظام الاجتماعي التونسي.
كما يُتوقع أن تعود الحكومة خلال الأسابيع القادمة بتوضيحات جديدة حول خطتها لتعويض الموارد المالية التي سيتم فقدانها نتيجة إسقاط هذا الفصل، إضافة إلى تقديم برنامج إصلاحات هيكلية للصناديق، خاصة في ظل التحديات المرتبطة بارتفاع نسب الشيخوخة، توسع دائرة المنتفعين، وتراجع نسق الاستخلاص.
خاتمة
إسقاط الفصل 20 ليس مجرد إجراء تقني، بل هو قرار سياسي ومالي يعكس مطالبة البرلمان بمزيد من الشفافية وتقديم المعلومات المالية الكاملة قبل فرض أي أعباء إضافية على المواطنين. ويبدو أن المرحلة القادمة ستشهد نقاشًا أوسع حول مستقبل الصناديق الاجتماعية وطرق تمويلها، في ظل ضرورة إيجاد حلول دائمة تضمن استدامتها دون تحميل دافعي الضرائب أعباء جديدة.
