تقرير خاص: الاتحاد يقرع طبول الإضراب العام.. سامي الطاهري يكشف كواليس “القطيعة” مع الحكومة ومصير قانون المالية 2026
تعيش الساحة الوطنية التونسية على وقع حالة من الترقب الشديد لما سيسفر عنه اجتماع الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل، المقرر عقده يوم غد، الخامس من ديسمبر الجاري. هذا الاجتماع، الذي وصفه مراقبون بأنه “اجتماع الفرصة الأخيرة”، يأتي في ظل قطيعة غير مسبوقة بين المنظمة الشغيلة والسلطة التنفيذية، مما ينذر بشتاء اجتماعي ساخن قد تعصف رياحه باستقرار المشهد الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
وفي تصريحات نارية خص بها قناة “فرانس 24″، أماط الأمين العام المساعد للاتحاد، سامي الطاهري، اللثام عن عمق الأزمة، مؤكداً أن المنظمة لم يعد أمامها من خيار سوى التصعيد بعد استنفاذ كافة السبل الدبلوماسية والنقابية التقليدية لفتح قنوات التواصل مع الحكومة.
تطورات المشهد السياسي في تونس: قراءة تحليلية في قرارات قصر قرطاج الأخيرة
5 ديسمبر: تاريخ مفصلي لتحديد موعد الإضراب العام
أكد الطاهري بشكل قاطع أن الهيئة الإدارية الوطنية، وهي أعلى سلطة قرار في الاتحاد بين المؤتمرين، ستجتمع يوم 5 ديسمبر ليس لمناقشة مبدأ الإضراب، بل لتحديد تاريخ الإضراب العام بشكل دقيق. هذا التحول من “التهديد” إلى “التنفيذ” يعكس وصول العلاقة بين الطرفين إلى طريق مسدود.
ويشير المحللون الاقتصاديون إلى أن الذهاب نحو إضراب عام في القطاعين العام والوظيفة العمومية في هذا التوقيت الحساس من السنة، ومع اقتراب غلق الميزانية، سيشكل ضغطاً هائلاً على الحكومة التي تعاني أصلاً من صعوبات في تعبئة الموارد المالية الخارجية والداخلية.
المطالب الثلاثة: لاءات الاتحاد في وجه الحكومة
لخص الأمين العام المساعد أسباب هذا التصعيد في ثلاثة محاور كبرى، تشكل مجتمعة “إعلان حرب” نقابي ضد السياسات الحكومية الحالية:
- أولاً: فرض الحوار الاجتماعي: يعتبر الاتحاد أن الحوار ليس منة من السلطة، بل هو استحقاق دستوري وعرف دأبت عليه تونس منذ عقود، وأن تغييبه يعني ضرباً للسلم الاجتماعي.
- ثانياً: الدفاع عن الحق النقابي: تشكو المنظمة الشغيلة مما تصفه بـ”التضييقات” المستمرة على النقابيين، ومحاولات تحجيم دور الاتحاد كشريك وطني فاعل.
- ثالثاً: الزيادة “البدعة” في قانون المالية 2026: وهي النقطة التي أفاضت الكأس، حيث يرفض الاتحاد بشكل قاطع الإجراءات الجبائية الجديدة التي تمس من المقدرة الشرائية للمواطنين في القطاعين العام والخاص.
قانون المالية 2026: جبايات جديدة تثير الغضب
تتمحور نقطة الخلاف الجوهرية حالياً حول النسخة المسربة أو المقترحة من مشروع قانون المالية لسنة 2026. فبحسب تصريحات الطاهري، تتضمن هذه الوثيقة زيادات ضريبية وأعباء مالية جديدة تمس الأجراء والمؤسسات على حد سواء. استخدام مصطلح “بدعة” يعكس حجم الصدمة داخل الأوساط النقابية من هذه الإجراءات، التي يبدو أنها تأتي في سياق محاولات الحكومة لتقليص عجز الميزانية على حساب الطبقة الوسطى والشغيلة، دون البحث عن حلول اقتصادية هيكلية بديلة.
ويرى خبراء الاقتصاد التونسي أن تمرير هذا القانون بصيغته الحالية سيؤدي إلى تآكل ما تبقى من المقدرة الشرائية للمواطن التونسي، الذي يئن أصلاً تحت وطأة تضخم مالي مرتفع وارتفاع جنوني في الأسعار.
سياسة “الأذن الصماء”: 17 مراسلة دون رد!
في كشف مثير، أوضح الطاهري أن الاتحاد لم يقف مكتوف الأيدي طيلة الفترة الماضية، بل بادر بمراسلة السلطة التنفيذية في أكثر من 17 مناسبة. هذه المراسلات، التي انطلقت منذ فترة حكومة نجلاء بودن واستمرت مع الحكومة الحالية، قوبلت جميعها بالتجاهل التام.
هذا الرقم (17 مراسلة) يحمل دلالات سياسية عميقة، فهو يثبت – بحسب رواية الاتحاد – أن نية “الإقصاء” مبيتة وممنهجة. عدم الرد على مراسلات أكبر منظمة وطنية في البلاد، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، لا يمكن قراءته إلا في خانة الرغبة الرسمية في إنهاء دور “الأجسام الوسيطة” وتكريس علاقة عمودية مباشرة بين الرئيس والشعب، دون المرور عبر الهياكل النقابية أو الحزبية.
أزمة الثقة: هل انتهى زمن “الشريك الاجتماعي”؟
انتقد سامي الطاهري بشدة ما وصفه برفض السلطة للحوار وإلغاء كل الأجسام المدنية والاجتماعية والنقابية. هذا التوجه يمثل تغييراً جذرياً في العقيدة السياسية للدولة التونسية ما بعد الثورة، والتي قامت على مبدأ التشاركية.
القطيعة الحالية تعكس أزمة ثقة عميقة، حيث تنظر السلطة الحالية للاتحاد كجزء من “المنظومة القديمة” التي يجب تحجيمها، بينما يرى الاتحاد نفسه “القلعة الأخيرة” للدفاع عن حقوق التونسيين في وجه تغول السلطة وتدهور الأوضاع المعيشية.
تأثير الإضرابات العامة على الاقتصاد الوطني: أرقام وحقائق
تاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل: من معركة التحرير إلى معركة البناء
سيناريوهات ما بعد 5 ديسمبر
مع اقتراب موعد اجتماع الهيئة الإدارية، تطرح عدة سيناريوهات للمرحلة القادمة:
- السيناريو التصعيدي: إقرار إضراب عام شامل (حضوري) في كافة القطاعات، وهو الخيار الأقرب نظراً لحدة التصريحات. هذا السيناريو قد يشل الحركة الاقتصادية ويدفع نحو تدويل الأزمة النقابية.
- السيناريو المتدرج: إقرار سلسلة من الإضرابات القطاعية والجهوية للضغط التدريجي دون الذهاب مباشرة إلى “الزر النووي” (الإضراب العام الشامل).
- سيناريو اللحظة الأخيرة: تدخل رئاسي أو حكومي لفتح باب التفاوض قبل تنفيذ الإضراب، رغم أن المؤشرات الحالية تستبعد هذا الطرح في ظل تمسك كل طرف بموقفه.
الخلاصة
إن اجتماع يوم 5 ديسمبر لن يكون مجرد محطة نقابية عادية، بل هو منعطف حاسم في تاريخ العلاقة بين السلطة والاتحاد في تونس. فبين إصرار الحكومة على المضي قدماً في سياساتها المالية ومشروعها السياسي، وبين تمسك الاتحاد بدوره التاريخي والاجتماعي، يدفع المواطن التونسي فاتورة هذا الصراع من استقراره وقوته اليومي. الأيام القليلة القادمة ستكون حبلى بالأحداث، وستحدد ما إذا كانت تونس ستتجه نحو انفراجة عبر الحوار، أو نحو صدام مفتوح قد تكون كلفته باهظة على الجميع.
