إضرابات البنوك حول العالم: الأسباب، التأثيرات، وتجربة تونس
تزايدت في السنوات الأخيرة وتيرة الإضرابات داخل القطاع البنكي حول العالم، من أوروبا إلى آسيا مرورًا بتونس، في مؤشر على عمق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تمسّ العمال في القطاعات المالية رغم أرباح المؤسسات الكبرى. هذه الظاهرة لم تعد محلية أو ظرفية، بل أصبحت تعبيرًا عن تحولات هيكلية في علاقة العمل داخل المنظومات البنكية الحديثة.
إضرابات في أوروبا وآسيا
في ألمانيا، شهد عام 2024 واحدة من أبرز الإضرابات البنكية بعد أن رفضت النقابات عرضًا حكوميًا بزيادة أجور بنسبة 8.5%، وطالبت بزيادة تتراوح بين 12 و16% لمواكبة التضخّم المتصاعد. رويترز أكدت أن الإضراب أثّر على أكثر من 200 ألف موظف بنكي. وبعد أسابيع من الضغط، تم التوصل إلى اتفاق بمنح زيادة بـ10.5%، ما أنهى الأزمة مؤقتًا (Reuters).
أما في الهند، فقد أصبحت الإضرابات البنكية شبه دورية، حيث نظّم أكثر من 40 ألف موظف في ولاية ماديا براديش احتجاجات واسعة في يوليو 2025 للمطالبة بتحسين الأجور ورفض الخصخصة (Times of India). كما أكدت Economic Times أن الإضراب شمل قطاعات النقل والبريد وأثر على ملايين العملاء في أكثر من 8 آلاف فرع بنكي.
وفي كوريا الجنوبية، شهدت العاصمة سيول في سبتمبر 2025 تظاهرات ضخمة نظمها اتحاد موظفي البنوك للمطالبة بخفض أسبوع العمل إلى 4.5 أيام وتحسين الأجور (Euronews). واعتُبرت هذه الحركة الأولى من نوعها منذ ثلاث سنوات في قطاع البنوك الكورية.
الدوافع المشتركة للإضرابات البنكية
- ارتفاع تكاليف المعيشة: التضخّم وتراجع القدرة الشرائية شكلا العامل الأبرز وراء موجات الإضرابات، خصوصًا في أوروبا.
- رفض الخصخصة أو الدمج: في الهند وجنوب إفريقيا، تُعارض النقابات أي خطة حكومية لدمج أو خصخصة البنوك.
- ساعات العمل الطويلة: العاملون في البنوك الكورية واليابانية يطالبون بجدولة أكثر إنسانية للدوام.
- ضعف الحوار الاجتماعي: النقابات تعتبر أن الإدارة لا تُصغي إلا تحت الضغط.
تجربة تونس: إضراب نوفمبر 2025
لم تكن تونس بعيدة عن هذه الموجة. فقد أعلنت الجامعة العامة للبنوك والمؤسسات المالية وشركات التأمين عن إضراب عام يومي 3 و4 نوفمبر 2025 احتجاجًا على ما وصفته بتعطّل الحوار الاجتماعي وتدهور القدرة الشرائية. ووفقًا لتصريحات العربي الجديد، قدّر عدد المشاركين بأكثر من 24 ألف موظف.
ورغم أن المجلس البنكي والمالي وصف الإضراب بأنه “غير مبرر”، فإن النقابة تؤكد أنه ضرورة لوقف ما تعتبره “تهميشًا” للقطاع ضمن المفاوضات الاجتماعية. وقد حذر مراقبون من تأثير الإضراب على التحويلات المالية وسحب الأموال خلال تلك الفترة.
التأثيرات الاقتصادية
الإضرابات البنكية تؤدي عادة إلى تعطّل مؤقت في العمليات اليومية، وتأخير في تسوية الشيكات، وضغط على الأنظمة الإلكترونية. بعض التقارير الاقتصادية من Economic Times BFSI تؤكد أن الإضرابات الطويلة قد تُكلف الاقتصاد الوطني في الهند ما يقارب 600 مليون دولار يوميًا، بينما في أوروبا تكون الخسائر أقل بفضل الخدمات الرقمية البديلة.
خلاصة
من ألمانيا إلى تونس، تتشابه الأسباب وتختلف السياقات. الإضرابات البنكية أصبحت مرآة تعكس اختلال التوازن بين أرباح المؤسسات وحاجات موظفيها. ومع استمرار الضغوط التضخمية وارتفاع كلفة المعيشة، يُتوقع أن تظل هذه الإضرابات أداة ضغط أساسية في السنوات القادمة، ما لم تُبادر الإدارات والحكومات إلى صياغة عقود اجتماعية جديدة أكثر عدلاً واستدامة.
