النهضة تحت الضغط العالي: أسئلة حادّة حول التمويل..التنظيم..منظومة الحكم وإقصاء المرأة.
النهضة تحت الضغط العالي: أسئلة حادّة حول التمويل..التنظيم..منظومة الحكم وإقصاء المرأة.
.
لم تعرف حركة النهضة الإخوانية أياما عصيبة مثلما هو حالها اليوم منذ خروجها للعلن والقانونية بعد ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة وتدشين مرحلة «الجهاد» داخل الدولة بعد عقود من الجهاد ضدها للإطاحة بها
وبعد «انتفاضة» و«تمرّد» الأبناء على الشيخ المؤسس راشد الغنوشي، ها هي ملفات من الحجم الثقيل تلقي بظلالها على التنظيم وقد تبعثر حساباته وتدشن مرحلة جديدة لن تكون فيها لإسلاميي تونس نفس الأريحية ونفس الدور الذي اضطلعوا به على امتداد عقد من الزمن ونتحدث هنا عن الملف المالي للجماعة ووضعها السياسي داخل منظومة الحكم المنبثقة عن انتخابات 2019 بشقيها الرئاسي والتشريعي وكذلك الوضع التنظيمي بعد الاستقالات والعرائض وحروب التصريحات بين أبنائها وأخيرا وليس آخرا تحجيم حضور المرأة داخل دائرة القرار المضيّق حول : الشيخ
الملف الأول وهو ملف قديم جديد يتعلق بتمويل الحركة خصوصا بعد نشر جريدة «الأنوار» الأسبوعية مقالا حول «ثروة» راشد الغنوشي كان منطلقا لمقالات وحصص إذاعية وتلفزية للتعليق والتفسير والتبرير وتبرئة الذمة
والحقيقة أن ما تم نشره في «الأنوار» فيه تماه وتقاطع كبير مع انطباع عام لدى طيف لا يستهان به من التونسيين الذين يتساءلون عن «قوة» النهضة المالية ونفوذ رئيسها بالذات، صحيح انها حزب حاكم منذ 2011 وهي الاولى داخل البرلمان ولها خزان انتخابي ومنخرطون وجمهور لا يستهان به، لكن تنظيم تجمع جماهيري بتلك الوجاهة والضخامة والتعبئة التي رصدناها في 27 فيفري 2021 على سبيل المثال يفتح الباب امام طرح السؤال مجددا وبحدة عن «ثروة» التنظيم المنتشر في ربوع الوطن وله مكاتب جهوية ومحلية وحضور في كافة البلديات التي يبلغ تعدادها حوالي 350 من شمال البلاد الى جنوبها علاوة على ملاحظات محكمة المحاسبات في تقاريرها الأخيرة المتصلة بالانتخابات والتي رصدت بدورها «أمواتا» تبرعوا للتنظيم وأموالا وُظفت للدعاية و«اللوبيينغ» في الخارج وأموالا دخلت للحسابات من جهات غير معلومة
هذا ولئن قال الناطق الرسمي باسم النهضة في إطلالات إعلامية عديدة ان التهم الموجهة للحركة كيدية ولا تمت للواقع بصلة وأنها ستقاضي من ينشر مثل هذه الأخبار بل ونفى علاقتها بمن جاهدوا للدعاية والتعريف بها في الخارج، فإن ردود قيادات نهضوية أخرى في الصف الأول تكشف حجم الارتباك أمام المسألة المالية إذ ليس من الطبيعي أن لا يكون عضو مكتب تنفيذي لحزب سياسي في حجم العجمي الوريمي على سبيل المثال على عدم دراية بـ«الثروة المالية» لحزبه وأن يبرر ذلك بالتخصص في الوظائف التسييرية
ليس هذا فحسب، فقد سبق وأن طرحت قيادات وازنة من الحركة المسألة المالية والنفوذ العائلي للشيخ داخل الحركة على غرار محمد بن سالم
أما الملف الثاني الذي لا يقل أهمية فهو وضع النهضة داخل منظومة الحكم، فرئيسها وهو في نفس الوقت رئيس مجلس نواب الشعب في قطيعة مع رئيس الجمهورية والصراع بينهما لم يعد خافيا على أحد
وحتى في علاقة بالحكومة، وخلافا مرة أخرى لما يراه البعض، فان النهضة غير مرتاحة البتّة لسير ومصير حكومة هشام المشيشي لأنها تدرك جيدا ان التاريخ لا يعيد نفسه ولا يمكن البتة إعادة تجربة دعم يوسف الشاهد في وجه رئيسه في الحزب والدولة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي بالإضافة إلى الأطروحات الراهنة بخصوص الحوار الوطني الذي قد يفضي في حال حصوله الى فك ارتباط الحكومة القادمة مع حزب بعينه وإرغام ساكن القصبة القادم على الوقوف على نفس المسافة من الجميع
من جهة أخرى يستمر خوف النهضة من مصير راشد الغنوشي على رأس البرلمان في ظل محاولات سحب الثقة منه التي قد تكون على نفس الدرجة من اليسر والعسر اذا انقلبت موازين القوى وخصوصا في مناخ من «التحرر الاخلاقي» الذي يسمح للأسف بكل شيء مع العلم أن نجاة الشيخ من عملية التصويت في المرة السابقة هي في المحصلة هزيمة وضرب لأسطورة رمز من رموز الاسلام السياسي ليس في تونس فحسب وانما في العالم وقد كانت الصائفة الماضية مناسبة للتفكير في الخروج الآمن بحجة التجديد مع الدورة البرلمانية الجديدة لكن الشغف بالكرسي وربما الحسابات الداخلية في علاقة بمؤتمر الحركة ترك الأمر كما هو وترك رئيس البرلمان في فوهة البركان
ولا يخفى على أحد أيضا حجم القلق الذي ينتاب أي حزب سياسي عندما ينشر ابناؤه غسيله مثلما فعل أحد منفذي ما بات يعرف بـ«عملية باب سويقة» التي أتاها ابناء الحركة في أتون الصراع على السلطة مع نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي وحزبه التجمع المنحل والتي تزامنت مع عمليات «عنف» أخرى حوكم على اساسها الاسلاميون وبدأ مع ذلك ما يسميه ابناء التنظيم ممن لم يسعفهم الحظ للخروج الى العواصم الغربية بـ«المحرقة» التي يطالب البعض راشد الغنوشي شخصيا بالاعتذار عنها وانضاف الى ذلك تغوّل الارهاب في بلادنا بعد 2011 مع حكم الترويكا بقيادة النهضة وحصول الاغتيالات السياسية للشهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي
وتزامنت كل هذه الصعاب والمحن مع تململ داخل التنظيم بدأ باستقالة مدوية للطفي زيتون واخرى لعبد الحميد الجلاصي و«تقاعد إجباري» لعبد الفتاح مورو وعريضة «غاضبة» من الشيخ تحمل مائة توقيع قابلها شباب منحاز للشيخ بعريضة مساندة وكان جوهر «العركة» الولاية الثالثة على رأس التنظيم عبر تنقيح القوانين الداخلية في المؤتمر الحادي عشر
وقد وجد أهل الحلّ والعقد في التنظيم الحل في الاتّـكال على الكورونا لتاجيل المؤتمر والمراهنة على تقريب وجهات النظر وهو أمر صعب في تقديرنا بالنظر للطموح الجارف والمشروع لبعض الاسماء كعبد اللطيف المكي وعماد الحمامي وغيرهما
آخر الملفات المقلقة للحركة وهي تتجمل وتجاهد للفصل بين الدعوي والسياسي وابراز الوجه المدني والحداثي ما كشفته القيادية «الغاضبة» يمينة الزغلامي التي عبرت عن الاستياء من اقصاء المرأة في دائرة القيادة حول راشد الغنوشي وهو أمر منطقي من امراة كان لها حضور قوي بعد 2011 وباشرت معارك كبيرة باسم الحركة وطبيعي ان تحتفظ لنفسها بالحق في التواجد في مواقع القرار
هذا هو حال النهضة اليوم وهي تحت الضغط العالي والايام القادمة ستبرز لنا مدى قدرة الشيخ المؤسس على إخراجها من عنق الزجاجة أو تثبيتها الى حين في نفس المطبّات
.
المصدر: صحيفة Tunisie Focus