الهجوم على كارفور في تونس: لماذا يحصل؟ وما أثره على آلاف العاملين والأسر التونسية؟
في الأسابيع الماضية تصاعدت التحركات الشعبية ضد سلسلة متاجر «كارفور» في تونس، فحصلت إغلاقات مؤقتة لفروع كبرى واحتجاجات أمام محلات في عدة ولايات. هذه الحركة أثارت نقاشًا حادًا: من جهة مطالب سياسية وأخلاقية مرتبطة بمواقف دولية، ومن جهة أخرى قلق واسع بشأن الأثر المباشر على آلاف العاملين والموردين المحليين الذين تعتمد عائلاتهم على هذه الشبكة.
لماذا تُستهدف كارفور؟
أسباب الهجوم والضغط الشعبي على «كارفور» متداخلة: جزء سياسي ــ مرتبط بحملات تضامن مع الشعب الفلسطيني واتهامات لمسؤولين أو مؤسسات تجارية بدعم سياسات أو ممارسات مرتبطة بالاحتلال ــ وجزء اقتصادي واجتماعي يتعلق بالحساسية المتزايدة تجاه رموز القوة الاقتصادية الأجنبية داخل بلد يعاني من تآكل القدرة الشرائية وارتفاع معدلات البطالة. تقارير محلية ووثائق إعلامية توضح أن الحملة في تونس مرتكزة على تعبئة ميدانية وإعلامية متواصلة منذ أشهر. 0
هل تُؤثّر هذه الحملات على العمال فعلاً؟
نعم. حتى الإغلاق المؤقت أو انخفاض الحركة يُترجَم فورًا إلى خسارة في ساعات العمل لدى العاملين، وهبوط في مبيعات الموردين المحليين الذين يعتمدون على عقود توزيع مع الفروع. المصادر المحلية تشير إلى حالات إغلاق فروع كبرى واضطرار بعض محلات поставщиков لتأجيل عمليات التسليم، بالإضافة إلى تسجيل شكاوى من ناشطين عن تعرضهم لتعنيف أثناء تحركات المقاطعة. 1
مثال رقمي: تقديرات شركات بيانات وأرقام محلية تشير إلى أن عدد العاملين في شبكة «كارفور/UHD» في تونس يتراوح بين بضعة آلاف (تقديرات 2,300 في قاعدة بيانات تجارية) وطاقم أوسع يصل ضمن نطاق 1,000–5,000 في قواعد بيانات مهنية — لذا فنحن أمام منظمة توظف بشكل مباشر آلاف العاملين وتؤثر في آلاف الأسر. 2
وماذا عن نسبة مساهمة فرع تونس من أرباح مجموعة كارفور الدولية؟
من الضروري تمييز نوعين من المقاييس: أرباح الفرع المحلي (أو أرباح شركة الفرانشايز المحلية UHD)، وحصة مجموعة كارفور الدولية من هذه الأرباح (إذا كانت تمتلك حصة في رأسمال الشريك المحلي).
أرقام مرجعية متاحة: مجموعة كارفور أعلنت عن صافي ربح «Net income, Group share» بنحو **1.65 مليار يورو** في التقرير السنوي للأداء لعام 2023. 3
من جهة أخرى تشير تقارير محلية إلى أن شركة UHD (الفرانشايز المحلي المعروفة باسم Carrefour تونس) سجلت أرباحًا صافية في حدود **9 مليون يورو** لسنة 2022 (نمو طفيف عن 2021). بناءً على هذه المعطيات، وحتى لو كانت نسبة ملكية كارفور الدولية في الشريك المحلي ضئيلة، فحصة المجموعة من أرباح الفرع التونسي تظل **نسبة ضئيلة جداً** من ربح المجموعة الإجمالي. 4
عملية حساب سريعة توضيحية:
- لو افترضنا أن UHD حقّقت 9 مليون يورو (2022) وامتلكت كارفور حصة 25% → فحصة كارفور من الربح ≈ 2.25 مليون يورو.
- نقارنها بربح المجموعة 1,659 مليون يورو (2023): 2.25 مليون ÷ 1,659 مليون ≈ 0.14% فقط من أرباح المجموعة العالمية.
بالتالي فإن استهداف اسم «كارفور» هو استهداف رمزي في المقام الأول — فالأثر المالي على المجموعة العالمية ضئيل نسبياً، بينما الأثر المحلي على العمال والموردين حقيقي ومباشر. 5
تباين الأرقام ومبررات الحذر عند الاستدلال
يجب الحذر عند الاستدلال على الأرقام: تقارير الشركات المجمعة (مستقلة وشفافة) تعطي أرقام أرباح المجموعة، بينما الأرقام المحلية للفرانشايز قد تختلف سنويًا وتحتسب صافي الربح بعد خصم مصاريف التشغيل المحلية والضرائب. كذلك تقديرات عدد الموظفين تختلف حسب ما إذا كانت تحسب الموظفين المباشرين فقط أم تشمل العمال المؤقتين والموردين الخارجيين. لذا من الطبيعي أن ترى نطاقات وتقديرات متفاوتة في المصادر التجارية والمهنية. 6
ماذا يمكن أن يُطلب كحلول عملية لحماية العمال وفي نفس الوقت المحافظة على مطالب المحتجين؟
- مطالب موجهة وواضحة: بدلاً من المقاطعة العشوائية، يمكن توجيه المطالب إلى المالكين/الشركاء المحليين أو لمجلس إدارة العلامة التجارية بطلب شفافية أو سياسات مشتريات تدعم المنتج المحلي أو صيغة تبرؤ واضحة من أي تمويل مرتبط بالصراعات.
- حماية اجتماعية مؤقتة: فتح حوار بين النقابات وإدارة UHD لضمان حماية الأجور وساعات العمل أثناء أي إغلاق مؤقت.
- سياسات محلية للتشغيل: الاتفاق على آليات دعم للموردين المحليين المتضررين (تأجيل دفع أو آليات تعويض مؤقت) ومبادرات عمل مجتمعي توضيحية من قِبل الإدارة لخفض التوتر.
- حماية الحريات: ضمان حق الاحتجاج السلمي وفي نفس الوقت منع أي عنف أو تصعيد يعرّض العاملين للخطر؛ ومساءلة كل حالة عنف موثّقة.
خلاصة
المواجهة مع كارفور في تونس تجمع بين بُعد رمزي وسياسي من جهة وبُعد اقتصادي واجتماعي حقيقي من جهة أخرى. حتى لو كانت مساهمة فرع تونس من أرباح مجموعة كارفور الدولية ضئيلة نسبياً، فإن الضغوط الميدانية تؤثر فعلاً على آلاف العاملين والموردين التونسيين. الحلّ الأمثل يتطلب معالجة مزدوجة: حماية المطالب المشروعة وتوفير ضمانات عملية لسلامة الدخل والعمل للعائلات المتأثرة.
