free page hit counter
اخبار محلية

ورطة النهضة في الانتخابات الرئاسية

بقلم: شكري بن عيسى (*)
يبدو أنّ النهضة، في غياب رؤية شاملة واستراتيجية سياسية بعيدة، مكتوب عليها أن تحيا من مأزق الى مأزق، وبعد مأزق التشريعية وما صاحبها من لحظات حالكة، كادت تعصف بتماسكها، بل أنها خلّفت تصدعات لن تمحى، ها هي اليوم في ورطة لا تحسد عليها، في الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، في خصوص المرشّح الذي ستقدمه، هل سيكون من داخلها أم من خارجها؟ وما هي المعايير التي ستعتمدها خاصة بعد تقديم الموعد الرئاسي، ودخول مرشح بارز على الخط: عبد الكريم الزبيدي؟

النهضة صارت منذ السقوط في تشريعيات 2014 تعيش على وقع الارتباك، وفاقدة لرؤية استشرافية تمكنها من التخطيط واتخاذ القرارات بعيدا عن الضغط، وهو ما يتجلى اليوم من خلال اضطرابها في عدم حسم امر مرشحها، فيما سيكون من داخلها وهل سيكون رئيسها أم شخص آخر، ام سيكون من خارجها وما هي المعايير هل ستكون حظوظ نجاحه ام علاقة “الأمان” التي ستربطه بالحركة ام المصالح المقابلة في نطاق تسوية واتفاق، لكن يبدو أن معطى أوليا هاما افسد امكانية الحساب، وهو عدم اجراء الانتخابات التشريعية قبل الرئاسية.

النهضة كانت تنتظر نتائج التشريعية لتبني عليها حساباتها، في واقع متحرّك، تكون فيه النتائج أبرز معطى لتقدير الموقف وضبط الاتجاه والتفاوض ايضا، فالنهضة بحصولها على ما يفوق 25% ليس كما بحصولها على ما يقل عن 15% كما تمنحها استبيانات الراي، والتفاوض والمساومة ستختلف باختلاف “الوزن”، ونفس الشيء بالنسبة لحزب الشاهد التي لا تمنحه اعلى الاستبيانات بالنسبة له اكثر من 8%، والتفاوض ان اختلفت النتائج ارتفاعا او نزولا سيختلف على اساسها ووفقها، فالنهضة اليوم تغازل وتعوّل على الشاهد الذي دعّمته في رئاسة الحكومة، وتسعى لدعمه في الرئاسة لعلّها تظفر بدعمه لها في الحكومة المقبلة بعدم دفعها في موقع المعارضة في نطاق وجود جبهة موضوعية اليوم ضدها.

وهذا السيناريو يأتي بعد النتائج الهزيلة جدا المسجلة في سبر الاراء، التي تدور حول 2%، للمرشح “الطبيعي” (وفق الفصل 32 من النظام الداخلي) لمونبليزير: راشد الغنوشي، وهو ما دفع به الى الاتجاه للتشريعية خشية من هزيمة مدوية تعبث بصورته المتداعية، هذا فضلا عن حسابات اقصاء الشق المعارض داخل الحركة، وكذا البحث عن حصانة برلمانية بعد خروجه من رئاسة الحزب وامكانيات خروج حزبه من الحكم، واذ يسمح له النظام الداخلي بترشيح شخص اخر ينوبه من داخل الحزب (يستوجب مصادقة اغلبية الحضور بمجلس الشورى على ان لا يقل العدد عن الثلث: الفصل 29)، فالامر لا يقل تعقيدا اذ المرشّح الابرز اليوم هو مورو، فمن ناحية الغنوشي ذاته لا يريده ان يتعملق على حسابه، ومن اخرى فهو اليوم في موقع بارز سيخسره وهو رئاسة مجلس النواب (ولو بالنيابة)، ومن ثالثة فحظوظ اي مرشّح من داخل النهضة تصبح ضعيفة جدا في الدور الثاني.

النهضة قبل اندماج حزب الشاهد مع المبادرة كانت تفكّر في حليفها السابق مرجان، لكن اليوم حزب القصبة حدد حسب امينه العام مرشحه الذي هو الشاهد، وهو ما اكده مستشاره بالحكومة العكرمي، والنهضة اذ تسعى لمغازلة الشاهد فعلى اساس امكانية فوزه لتضمن حدا ادنى في تشريكها في الحكم ان كان لحزبه قول في تشكيل الحكومة القادمة، لكن هناك عديد التحديات لعلّ ابرزها أنّ حظوظ الشاهد اليوم ضعيفة للمرور للدور الثاني بأقل من 8% في الاستبيانات الاخيرة، وزيادة فمن تدعمه النهضة ستضعف حظوظه لدى انصاره، وهو ما يجعله على الاغلب يرفض الدعم، ولا يقبل بالمساومة التي تريد فرضها النهضة، خاصة وانّ دعمها لن يكون حاسما في الفوز، وبالتالي فالنهضة في ورطة بالتواجد بين وضعيات افضلها لا مكسب فيه خاصة وان امكانيات الفوز تبدو ضعيفة ان لم تكن منعدمة لحاكم القصبة.

الحظوظ الضعيفة الى المنعدمة للشاهد في الوصول لقرطاج، دعّمها معطى هام جدا، بدخول اسم الزبيدي اسهم الرئاسية، خاصة ان اسمه احدث ارباكا في توزيع نوايا التصويت، وقد يكون اكبر المتضررين الشاهد، لانتمائهم تقريبا لنفس الشريحة الناخبة مع تفوّق وازن من “الساحل” للزبيدي، وهو ما جعل النهضة تضيف اسم الزبيدي في قائمة الذين يمكن ان تدعمهم، فهي لا تريد أن تدعم غيره ان كانت حظوظه وافرة، فحينها ستجد نفسها في مأزق يمكن أن يهدد وجودها ان ناصبته العداء، خاصة من شخصية مقرّبة من الولايات المتحدة ويمكن ان تظهر ارتباطاتها الخليجية المعادية للاخوان، فالنهضة الاعتبار الاكبر في الدعم هو المحافظة على وجودها، لكن في المقابل أنّ هذا الشخص لا يملك حزبا وثقلا برلمانيا لتقايضه حول تواجدها في الحكومة وتحالفاتها البرلمانية، لكن تبقى حظوظه القائمة في المرور للدور الثاني والفوز هي ربما ما يمكن ان يميل بكفة النهضة لتخييره، في نطاق منطق مصلحي عماده تلافي الاسوأ والتهديد الوجودي.

النهضة الحقيقة في بداية عملية الاختيار انطلقت من شخصية ترى انها مقرّبة منها، وخبرتها خاصة وانها تحالفت معها في الماضي: رئيس حزب التكتل سابقا ورئيس المجلس الوطني التاسيسي مصطفى بن جعفر، هذا الشخص يتميّز باتزان ورصانة وقد لا يخرج من يدها، وله خبرة في السياسة والحكم والتفاوض، غير أنّ المشكل الاكبر من ناحية في عدم وجود ثقل برلماني لحزبه، الامر الذي يجعل حزب النهضة لا يتحمّس له، ومن ناحية اخرى فالمشكل الابرز في حظوظه الضعيفة بل والمنعدمة، اذ لا يكاد يذكر في الاستبيانات، وبدعم النهضة بثقلها الضعيف الحالي لن توصله للنجاح، في المقابل ستحقق عداوة سياسية مع الفائز من الاطراف المقابلة، سواء المترشحة بصفة شخصية او حزبية او ائتلافية.

لعلّ هذه الشخصيات الثلاث هي الابرز الموضوعة على جدول اعمال مجلس الشورى الذي سينعقد السبت للغرض، وقد ذكرها العريض في احد تصريحاته لموقع “آخر خبر” هذا الاسبوع، وقام حولها صاحب مركز الاسلام والديمقراطية المصمودي المكلف بمركز الحزب الاستراتيجي باستبيان “فايسبوكي” على صفحته، زاد في تأزيم الرؤية، اذ اتجاهات القواعد النهضوية تصب في مسار شخصيات خارج هذا الثالوث، طالب بها المستجوبين لعل اهمها المرزوقي وقيس سعيد وعبو، في مقابل دعم نسبي لبن جعفر مع تحفّظ كبير على واقعة “غلق التأسيسي” في 2013، وانعدام شبه كامل للحماس للشاهد وبدرجة اقل للزبيدي، وهو ما يعني ان النهضة ستعاني عزوف واسع من ناخبيها ومقاطعة للرئاسية ان لم تستجب لـ”هواهم” المتجه نحو احد ثلاثة المرزوقي او سعيد او عبو، وسينعكس حتى على دعمها في التشريعية.

والورطة بالفعل كبرى، لحزب ادعى انه “فاعل” في الساحة، فيتراجع ثقله، وتلتبس الامور امامه، وصار مهددا في وجوده، وفي الحد الادنى بالخروج من الحكم، وخلق عداوات سياسية في صورة انجاز اتفاقات لا تقود الى نجاح الشخصية المتبناة، والنهضة ان كانت بمنطق انتهازي براغماتي ستفضل صاحب الحظ الاوفر لدعمه، فالمأزق الاكبر ان كل من ستدعمه ستضعف حظوظه، وهو ما يصب في اتجاه تأجيل الحسم في الامر وترك هامش الحرية لقواعدها للاختيار، حتى لا تخسرهم وتدخل في تصدعات جديدة، وحتى لا تدخل في عداوات سياسية مع من لم تدعمهم خاصة الشخصية التي ستفوز بالرئاسة، وقد تدخل في المقابل في اتفاقات سرية مع اكثر من طرف حتى “لا تخسر الجمل وما حمل”!!

(*) باحث في القانون والفلسفة

image

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى