السبب الحقيقي لمظاهرة حركة النهضة وحشدها الشعبي بقلم عبد اللطيف بودربالة
السبب الحقيقي لمظاهرة حركة النهضة وحشدها الشعبي يوم السبت 27 فيفري 2021..!!
الحشد الجماهيريّ المكثّف الذي تسعى حركة النهضة إلى تجميعه لمظاهرة يوم السبت 27 فيفري 2021.. لا تهدف من ورائه بطريقة رئيسيةإلى حماية الشرعيّة..
ولا الدفاع عن الدستور..
ولا دعم الحكومة..
ولا الوقوف مع رئيس الحكومة هشام المشيشي..
ولا الدفاع عن الحريّات..
ولا حماية الدولة أو الديمقراطيّة أو الحريّات..
ولا حتّى مجرّد استعراض للشعبيّة أو القوّة الجماهيريّة..
ولا هو مجرّد “تخويف” لقيس سعيّد أو الأحزاب والقوى السياسيّة الأخرى.. بالطريقة المبسّطة..
نعتقد بأنّ الهدف الحقيقي لمظاهرة النهضة التي تحشد لها أنصارها منذ أسبوعين.. وتريدها ضخمة غير مسبوقة منذ مظاهرتها بالقصبة في الصيف السياسي الساخن 2013.. هو على الأغلب رسالة موجّهة رأسا إلى قيس سعيّد شخصيّا.. وتتجاوز كلّ ذلك إلى محاولة استباق ماهو أبعد..
حركة النهضة استطاعت أن تحقّق أهدافها بتأسيس النظام السياسي الذي سعت إليه.. فعملت على إقرار نظام برلماني في دستور سنة 2014..
لكنّها مع ذلك خضعت نسبيّا لضغوط عديد الأطراف السياسيّة التي كانت ساعية في المجلس الوطني التأسيسي إلى دعم سلطات وصلاحيّات رئيس الجمهوريّة.. فرضخت لإقرار انتخابه بالاقتراع الشعبي المباشر.. وإعطائه بعض الصلاحيّات والسلطات التي تتعارض وتتناقض عادة مع طبيعة وقواعد النظام البرلماني.. وهو ما خلق الكثير من الإشكاليّات والأزمات السياسيّة اليوم في التطبيق..
إلاّ أنّ حزب حركة النهضة حقّق عموما ما يطمح إليه سياسيّا.. وهو ما مكنّه من أن يكون شريكا أساسيّا في الحكم منذ انتخابات 2014 إلى اليوم..
في المقابل.. فإنّ الوافد الجديد إلى السلطة إثر انتخابات 2019.. قيس سعيّد.. له توجّهات سياسيّة معاكسة تماما.. إذ يطمح إلى تغيير النظام السياسي في تونس.. من نظام برلمانيّ إلى نظام رئاسي من جديد.. يقوم أساسا على سلطة رئيس جمهوريّة قويّ يملك كلّ الصلاحيّات والسلطات.. ويقوم بتعيين حكومة يديرها وزير أوّل تحت إشرافه..
في المقابل يصبح مجلس نواب الشعب منتخبا ليس بانتخابات مباشرة.. وإنّما يكون منتخبا عبر سلسلة من الانتخابات غير المباشرة تبدأ ممّا يسميّه بالمحليّات..
على أن يملك البرلمان حينها صلاحيّات أقلّ.. ويقتصر دوره غالبا على المساهمة في التشريع.. وعلى مراقبة الحكومة.. دون أن يكون هو مصدر السلطة.. ولا هو من يعيّن ويدير ويراقب ويحاسب ويعزل الحكومة.. وطبعا لا سلطة له في عزل رئيس الجمهوريّة..
وقد سبق أن أوضحنا في مقال سابق.. أنّ قيس سعيّد لم يكن يرغب في خوض الانتخابات التشريعيّة لسنة 2019 ولو بقائمات مستقلّة تابعة له.. رغم حظوظه الوافرة في الفوز بكتلة محترمة في المجلس قياسا إلى شعبيّته حينها.. وذلك لعدم رضائه كما يعلن عن صيغة مجلس النواب بشكله الحالي..
وأوضحنا أنّ قيس سعيّد كان يقول لكلّ من يسأله كيف سيقوم والحالة تلك بتغيير النظام السياسي في تونس دون أن يكون له حضور أغلبي أو مؤثّر بالبرلمان الذي يملك بمفرده حقّ تنقيح الدستور.. بأنّه سيقوم بتحريك الشارع وقيادة حركة شعبيّة للتغيير انطلاقا من قصر الرئاسة.. وذلك بتسليط ضغط جماهيري معنوي وسياسي قويّ يدفع للتغير..!!
وهذا أمر يعلمه ويعرفه كلّ من يحيط بقيس سعيّد.. وكلّ من كان في تواصل معه.. وكلّ من عمل معه في تنسيقيّاته وحملته الانتخابيّة الرئاسيّة..
وتعلمه أيضا تمام العلم الحلقة الضيقة في السياسة بتونس.. حتّى ولو لم يصل الأمر بوضوح إلى عامّة الشعب أو إلى النسبة الغالبة من أنصار الرئيس سعيّد أنفسهم..!!
يعني قيس سعيّد يفكّر تماما في قيادة “ثورة شعبيّة” جديدة انطلاقا من قصر قرطاج لتغيير النظام السياسي في تونس.. وفرض رؤيته السياسيّة الخاصّة.. ويطمح إلى تحريك الشارع بقوّة لفرض الأمر الواقع وتشكيل قوّة ضغط جماهيريّة رهيبة.. بحيث يخطّط بذلك إلى أنّه لن يكون لا في حاجة إلى كتلة برلمانيّة ذات أغلبيّة في البرلمان لفرض وإنجاح تنقيح الدستور.. ولا مضطرّا لاتّباع الإجراءات الدستوريّة الروتينيّة التي تفترض الكثير من التعقيدات السياسيّة والقانونيّة..
أو هكذا يتصوّر قيس سعيّد ويريد..!
رسالة النهضة من خلال عمليّة التعبئة الشعبيّة التي سخّرت لها كلّ إمكانيّاتها اللوجستيّة البشريّة والماديّة والماليّة منذ أسبوعين.. تهدف إلى إفهام قيس سعيّد أنّه إن كان يراهن على تحريك الشارع في محاولة لفرض أمر واقع جديد بتغيير سياسي راديكالي في نظام وقواعد السلطة في تونس.. فإنّه ليس بمفرده في الشارع.. وأنّ هناك قوّة سياسيّة مضادّة أخرى يمكنها أيضا تحريك الشارع في الاتّجاه المعاكس لقطع الطريق عليه..
إنّ النهضة ببساطة تقول لقيس سعيّد أنّها تملك أيضا ثقلا مضادّا في الشارع..
وأنّه إن كان يعتقد أنّ له وزن شعبيّ وجماهيريّ.. فإنّ لها أيضا وزن شعبيّ وجماهيريّ..
وإنّه إذا ما كان يحلم بتحريك الشارع بصخب وقوّة لفرض رؤيته السياسيّة وأحلامه بنظام رئاسي.. فإنّها أيضا يمكنها أن تحرّك الشارع بصخب وقوّة لفرض رؤيتها السياسيّة والمحافظة على النظام البرلماني الذي أقرّته عبر المجلس التأسيسي في دستور سنة 2014..
النهضة تريد أن تُفهم قيس سعيّد أنّه إذا كان يظنّ بأنّه سيحرّك مثلا مظاهرات ضخمة بـ10 آلاف متظاهر في محاولة لتمرير خياراته.. فإنّها ستحرّك هي بدورها أيضا مظاهرة ضخمة بـ10 آلاف متظاهر للدفاع عن خياراتها ووقف مساعيه.. فإن جمع الرئيس سعيّد مثلا 50 ألف مساند ومتظاهر في الشارع.. فإنّها ستجمع له بدورها 50 ألف متظاهر ومناصر..
وهكذا..
هذا في ما يخصّ الرسالة الظاهرة..
غير أنّ الرسالة الخفيّة من قيادة النهضة.. وأساسا من زعيمها راشد الغنّوشي لقيس سعيّد.. أنّه إن كان الرئيس صاحب شعار “الشعب يريد” لا يملك إلاّ نصيبا من الجماهيريّة وقدرة على تحريك الشعب في الشارع.. فإنّ حزبه حركة النهضة يملك بدوره نصيبا من الجماهيريّة والقدرة على تحريك الشارع مثل الرئيس.. بل ويملك حاليّا وعلاوة على ذلك ما لا يملكه الرئيس سعيّد نفسه.. وهو وجود قويّ في السلطة التشريعيّة.. وأغلبيّة برلمانيّة لا يملكها قيس ومن يقف معه من أحزاب.. سواء بالسيطرة على حوالي ربع المجلس بمفردها.. أو بقيادة ائتلاف حاكم تتراوح أصواته بين ما يزيد عن النصف أي الأغلبيّة.. وبين ما يناهز الثلثين..
هذا هو على الأرجح الهدف الجوهري والحقيقي لقيادة النهضة من وراء تنظيمها مظاهرة السبت 27 فيفري..
وفي ما عدا ذلك فإنّ أيّ أسباب معلنة أخرى هي أمّا مجرّد متمّمات أو أكسسوارات أو تمويهات..
–
ـ ـ تابعوا الصفحة الشخصيّة للأستاذ عبد اللّطيف درباله ـ ـ
https://www.facebook.com/derbala.abdellatif