كشف المؤرخ الإسرائيلي آدم راز، في مقال نشره ملحق صحيفة “هارتس” اليوم، الجمعة، عن وثائق رسمية تفضح سياسة المؤسسة الإسرائيلية تجاه المواطنين العرب في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وبضمنها اتخاذ تدابير للحؤول دون تسييس المجتمع العربي ومنع تشكل قيادة عربية عصرية.
ودعت إحدى الوثائق، التي جرى إعدادها تحضيرا لنقاش داخلي في حزب “مباي”، في أيلول/ سبتمبر عام 1959، إلى الاستمرار في استنفاذ جميع احتمالات سياسة التقسيم الطائفي، التي أعطت ثمارها في الماضي، كما تقول الوثيقة، ونجحت في خلق حواجز، حتى لو كانت مصطنعة أحيانا، بين المجموعات السكانية العربية المختلفة.
وأضافت الوثيقة أن سياسة “التقسيم” التي مورست تجاه المجتمع العربي، منعت تبلور أقلية عربية ككتلة موحدة، ومنحت الفرصة لزعماء كل طائفة للانشغال بقضاياهم الطائفية بدلا من القضايا العربية العامة.
وقدرت وثيقة أخرى، أن الجمهور العربي لن يكون أبدا مخلصا لدولة إسرائيل، ولذلك يجب عدم مطالبته بالولاء الكامل للدولة إلى حد التماثل مع أهداف الدولة اليهودية، مثل “تجميع الشتات وقيم أخرى مرتبطة بالصيرورة القومية والدينية لشعب إسرائيل”، لأن مثل هذا الطلب غير عملي وغير شرعي، كما تقول الوثيقة، وإنما يجب التوجه نحو التسليم السلبي من قبل العرب بقيام دولة إسرائيل وتحويلهم إلى مواطنين محافظين على القانون.
وصاغ الوثيقة مستشار رئيس الحكومة للشؤون العربية، شموئيل طوليدانو، في تموز/ يوليو العام 1965، وعرضت في اجتماع “سري جدا”، بحث سياسة الحكومة الإسرائيلية تجاه العرب، دُعيَ إليه رؤساء الشاباك والموساد وشرطة إسرائيل ووزارتي الخارجية والتربية والتعليم.
وأشارت وثيقة طوليدانو إلى ضرورة اعتماد سياسة إسرائيلية لمنع نشوء طبقة مثقفين عربية واسعة، خشية تبلور مواقف قيادية راديكالية. وترجمة لهذا التوجه، أوصت الوثيقة بعدم تشجيع الطلاب العرب على الالتحاق بالجامعات والمعاهد العليا، الا في المواضيع المضمون فيها إيجاد أماكن عمل لهم، وهي تشير في هذا الصدد الى العلوم الطبيعية والطب كمواضيع مسموحة، بينما تحظر العلوم الإنسانية والمحاماة.
وتركز الوثيقة على منع التنظم على أساس حزبي في أوساط العرب في إسرائيل، بغية الحؤول دون إقامة أطر سياسية مستقلة تقوم على أساس قومي. وفي المقابل، دعت الوثيقة إلى الحفاظ على تصويت العرب للأحزاب الصهيونية، وأوصت أمام هذه الأحزاب بأن تفتح أبوابها أمامهم ودمجهم في صفوفها بشكل تدريجي وتجريبي، وإلى إقامة أحزاب عربية تابعة للأحزاب الصهيونية.
ولفت راز إلى أن هذه الوثائق ومضامينها، التي بلورت سياسة إسرائيل تجاه المواطنين العرب، صيغت خلال وقوعهم تحت طائلة الحكم العسكري الذي استمر حتى عام 1966.
وأشار في هذا السياق إلى أن الحكم العسكري قد زال، إلا أن روح قراراته وتوجهاته تجاه المواطنين العرب ما زالت قائمة حتى اليوم، خاصة فيما يتعلق بنزع الشرعية عنهم وعن أحزابهم السياسية، رغم مشاركتها في انتخابات الكنيست، وهي سياسة تتفق حولها أحزاب اليمين والوسط وغيرهم.
لا حل لقضية “الأقلية العربية” في إسرائيل
تعترف الوثيقة بأن الأقلية العربية في إسرائيل هي جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، وقالت إن هذه الأقلية متأثرة من مواقف الدول العربية التي لا تعترف بإسرائيل، والتي جرى نشرها وبثها في وسائل الإعلام، حينذاك. لكن الوثيقة اعتبرت أن لا يوجد حل لقضية الأقلية العربية في إسرائيل، ولا حتى في حال التوصل إلى سلام بين إسرائيل والدول العربية، لأنه توجد لدى هذه الأقلية ترسيبات كثيرة، بعد تحولهم من أغلبية إلى أقلية في البلاد، في أعقاب النكبة.
وقالت الوثيقة إنه ينبغي استنفاد كافة الإمكانيات من أجل تنفيذ “هجرة هادئة” للعرب من إسرائيل، من خلال “لم شمل عائلات – وسيغادر حوالي 3000 البلاد في هذا الإطار؛ تشغيل متعلمين وعمال حرفيين خارج البلاد بواسطة وكالات أجنبية؛ صفقات بيع أملاك وأراض بالعملة الصعبة وما إلى ذلك”.
وفي ما يتعلق بإنشاء “توازن ديمغرافي”، أوصت الوثيقة “بتشجيع انتقال قرويين وبدو من النقب إلى السكن في مدن مختلطة – مثل حيفا، عكا، تل أبيب – يافا، اللد والرملة”.
كذلك أوصت الوثيقة بتقطيع أوصال التجمعات السكنية العربية الكبرى، نسبيا، في الجليل والمثلث والنقب، من خلال إقامة بلدات يهودية في هذه المناطق. وأوصت أيضا بإنشاء معسكرات للجيش ومراكز للشرطة في أنحاء الجليل، وإقامة مقرات لمؤسسات سلطوية وإدارية في الناصرة.