بكل واقعية ، و بدون أي نزعة تشاؤمية، قبل المناظرة كان لدي قليل من الأمل في إنقاذ موقف صعوبة إختيار أي من المترشحين لمنصب رئاسة الجمهورية ، من طرف أستاذ قانون دستوري، كان له فضل علينا كرجل تعليم عالي كغيره من أساتذتنا الأجلاء في اسداء #المعلومة #النظرية للقانون ، و هو فضل لا يمكن أن ننكره أبدا …
و لكنني في هذا الظرف بالذات ، و بقطع النظر عن المرجعية الإيديولوجية لأغلبية مسانديه ، فقد كنت أنتظر من الأستاذ قيس سعيد خطابا موحدا لكافة التونسسيين و التونسيات ، ضامنا لعلوية الدستور ، حافظا للأمن القومي وفق مقاربة أفقية و تشاركية ، و محافظا على سيادة الدولة في الداخل و الخارج ، و مطورا لعلاقاتها الديبلوماسية المتعددة الأشكال التقليدية و المعاصرة …إلا أنني لم أجد أي أثر لإنتظاراتي تلك .
للأسف الشديد ، و مع احترامي لمجهودات المترشحين ، فقد تفاجئت بخطاب متشنج ، يحاول ظاهريا الابتعاد عن الفكر العدواني ، و لكن مقاصده تفشل في إخفاء معاني الإقصاء و المحاسبة و التفرقة و المقاطعة .
فوجئت خاصة بإجابات نظرية ، انفعالية و فضفاضة عن أسألة بديهية ، و بأفكار عامة وردت في مجملها خيالية و متضاربة ، و بتشخيص كل مشاغل رئاسة الجمهورية على شاكلة “قضايا ” ، إذ وردت الإجابات عن الأسئلة متواترة بتكرار لفظ “#القضية ” لعشرات المرات في مواضيع عديدة ، و كأننا في ميدان خصامي ، في حين كان من المفروض أن يترجم التكييف السياسي للمواضيع المطروحة ، و المنتظر أنها تثري الخطاب السياسي للمترشح لمنصب رئاسة الجمهورية باعتباره أولا و أخيرا منصبا سياسيا بإمتياز ، على شاكلة #الملفات و #الرؤى و #البرامج و #الاستراتيجيات و #المنهجيات و #الأولويات و #المراحل و #الوقائع و #المعاينات و #الإحصائيات و #الاستنتاجات و #التفاعلات و #الشراكات و #الرمزيات ….
فوجئت بغياب أي توضيح واقعي أو تطبيقي أو بالأحرى براقماتي لجملة آليات العمل السياسي المذكورة أعلاه ….!!!!!
دون الخوض كثيرا في التفاصيل ، و للتذكير فقط ، فإن للخطاب السياسي آليات و نواميس و مقاصد و رمزيات و رؤى….بدون توفرها تفقد بوصلة المترشح إتجاهها الواضح الذي يضمن له الشعبية و المشروعية …حتى و إن تحصل آليا على الشرعية الإنتخابية .
و لذلك عموما أقول ، إننا نسير نحو #المجهول في رؤية و مرجعية من سيعتلي أعلى هرم لسلطة القرار للدولة ….
هذا إذا سلمنا جدلا بأننا لازلنا نعيش فعليا في منظومة الدولة المدنية …الضامنة للسلم المجتمعي و علوية القانون و المؤسسات …رغم دستورها “#الجميل أو #الشباب كما تم وصفه ظاهريا من قبل كل المترشحين !!!!
في الأثناء أدعو ربي أن يحمي بلادنا و شعبها و مواطنيها المتمدنين الواعيين بقواعد المواطنة السوية …و خاصة منهم نسائها و أبنائها و بنياتها القاصرات …و تمنياتي أن يعيشن مستقبلا على الأقل في نمط مجتمعي تقدمي و حداثي كما عشنا نحن بفضل بناة الدولة الوطنية …بدعم ليس فقط من مؤسسات الدولة و سلطاتها الرسمية ، و إنما أيضا من طرف كافة المنظمات الوطنية و الجمعيات و الهئات المهنية و الحقوقية المدافعة عن الحقوق و الحريات(و التي غاب اجمالا ذكرها و ذكر اهمية دورها في اجابات المترشحين )…و في مقدمتها #الحقوق #الإقتصادية و #الإجتماعية …التي أضحت بالأساس تكتسي أهمية قصوى و صبغة معاشية لا تنازل عنها ، كان من الأجدر للمترشح الحقوقي التركيز عليها في البرامج و الرؤى بصفة صريحة و ضمنية في خطابه الموجه للناخبين .
و لكن في الأخير سيبقى قدر تونس المحتوم هو النجاح في تحدي الصعوبات و الأزمات السياسية و الاجتماعية و الإقتصادية …و لو على المدى المتوسط او البعيد…فقط علينا بنبذ الجهل والتعصب و الانغلاق و الفكر العدواني ..
و انشاء الله القادم أفضل .
بقلم سماح بوهلال