من قصر قرطاج: رسائل نارية للرئيس حول السيادة والإنصاف

سياسة تونسية • الثلاثاء 23 سبتمبر 2025 • حسب توقيت تونس
سعيّد يؤكّد: نحن «فيالق» في حرب تحرير واحدة… ووحدة تونس وسيادتها خطوط حمراء لا نقاش فيها
استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيّد أمس الاثنين 22 سبتمبر 2025 بقصر قرطاج كلاّ من إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب وعماد الدّربالي رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم.
خلاصة اللقاء ورسائله الرئيسية
شدّد رئيس الدولة خلال اللقاء على أنّ كلّ مؤسسات الدولة المنتخبة منبعها الشعب صاحب السيادة، وأنّ «كلّنا فيالق لخوض حرب تحرير واحدة لا رجعة بعدها إلى الوراء»، في إشارة إلى تعبئة وطنية شاملة حول مشروع السيادة والاستقلالية في القرار. كما أكّد أنّ خيار الشعب في التعويل على الذات والعمل الدؤوب «أثبت صحّته» وكشف محدودية الرهانات على الخارج، مجدّدًا أنّ وحدة تونس واستمراريتها واستقرارها وسيادة شعبها واستقلال قرارها قضايا غير قابلة للنقاش أو التنازل.
وأولى سعيّد اهتمامًا خاصًّا بملف ضحايا عقود من الإقصاء والتهميش، معتبرًا أنّ الإنصاف الاجتماعي والتنمية المتوازنة في الجهات ليست ترفًا سياسيًا بل أولوية وطنية عاجلة.
تأتي هذه الرسائل في سياق تكرار لقاءات رئيس الجمهورية برئيسي المؤسستين التشريعيتين خلال الأشهر الماضية، حيث طُرحت فيها مواضيع متعلّقة بمشاريع القوانين والحوكمة المحلية والعدالة الاجتماعية. وقد أشارت صحيفة «لا برس» إلى لقاء 22 سبتمبر وتأكيد الرئيس ثوابت السيادة والإنصاف الاجتماعي، مع التشديد على أولوية استقرار الدولة ووحدتها. انظر تقرير لا برس. 0
السياق السياسي: تواصل خطاب السيادة والاعتماد على الذات
منذ أشهر، يركّز الخطاب الرئاسي على استقلالية القرار الوطني ورفض أيّ وصاية خارجية، مع تحميل القوى الداخلية مسؤولية دعم هذا التوجّه عبر التشريعات وآليات الرقابة وتكريس الحكم المحلي. وقد سبقت لقاء الأمس اجتماعات مشابهة خلال جوان وماي 2025 مع رئيسي المجلسين، رُكّز فيها على «المعركة على جبهات عدّة» وبناء دولة عادلة وقوية. يمكن الاطلاع على تغطيات سابقة حول هذه اللقاءات المنشورة خلال الفترة الماضية لدى منصّات إخبارية محلية. 1
«تونس فوق كل اعتبار، ووحدتها واستمرارها وسيادتها واستقلال قرارها ليست محل نقاش.»
تتّسق هذه الرسالة مع خطّ اتصالي رسمي يقدّم الاستقرار وسيادة القانون باعتبارهما مدخلًا لاستعادة الثقة داخليًا وخارجيًا، إلى جانب تفكيك شبكات الاحتكار والفساد ودفع منوال اقتصادي يقوم على الإنتاج والعمل، وهو ما تمّ التذكير به مرارًا في تصريحات وبيانات رسمية سابقة. 2
قد يهمّك أيضًا على تونيميديا
ماذا تعني «حرب التحرير الواحدة» في الخطاب السياسي؟
يستخدم الرئيس صيغة «حرب التحرير» لوصف مواجهة شاملة على مستويات متعدّدة: تشريعية واقتصادية ورمزية. تشريعيًا، يُفترض أن ينعكس ذلك في مسار قوانين تُسرّع الإصلاح الإداري والمالي وتدعم اللامركزية. اقتصاديًا، يُقصد بها تحرير الاقتصاد من قيود الاحتكار والفساد، وتحفيز الاستثمار المنتج وتقليص الارتهان للديون والشروط الخارجية. رمزيًا، تُؤكّد على بناء سردية وطنية جامعة تضع المصلحة العليا فوق الاستقطاب السياسي.
في هذا الإطار، تصبح العلاقة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم محورية: الأوّل يُنتظر منه تسريع سنّ القوانين التي تعزّز الحوكمة الرشيدة وتُحارب الفساد، والثاني يُفترض أن يضمن أن تأخذ السياسات العمومية خصوصيات الجهات بعين الاعتبار وأن تُوزّع الاستثمارات وفق معايير العدالة والنجاعة.
الأثر على الملفات الاجتماعية والاقتصادية
إعادة ترتيب الأولويات لصالح الفئات التي عانت من عقود من الإقصاء تعني، عمليًا، مراجعة منظومات الدعم والجباية والتشغيل والاستثمار. فالخطاب الرئاسي الذي يُشدّد على التعويل على الذات لا يتحقّق دون مداخل واضحة لتعبئة الموارد الداخلية، وإعادة هيكلة الإنفاق العمومي، وتوجيهه نحو البنية التحتية والخدمات الأساسية في المناطق الأقلّ حظًّا.
كما أنّ تكريس الاستقلالية في القرار الوطني يتطلّب تحسين مناخ الأعمال ومحاربة الاقتصاد الموازي بطريقة ذكية تراعي الحقّ في العيش الكريم وتضمن انتقالًا منظّمًا نحو الاقتصاد النظامي. ومن ثمّة، يصبح نجاح «حرب التحرير» مرتهنًا بقدرة المؤسستين التشريعيتين على إنتاج ترسانة قانونية قابلة للتنفيذ مدعومة بآليات رقابية وتمويلات شفافة.
الملف الدستوري والمؤسسي
إنّ التأكيد على أنّ المؤسسات المنتخبة منبعها الشعب يضع مسؤولية مضاعفة على المجلسين بخصوص الاستماع للمطالب الاجتماعية، وتثبيت مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتبنّي آليات تشاركية تسمح للجهات بإسماع صوتها في صياغة السياسات العمومية. كما يستبطن هذا التوجّه رؤيةً لتكامل الأدوار بين المركز والجهات لكسر مركزية القرار التاريخية التي عمّقت الفوارق.
ردود الفعل المتوقعة
من المنتظر أن تُرحَّب هذه الرسائل لدى شرائح واسعة تطالب بإنصاف الجهات وبناء دولة صلبة. في المقابل، قد يُثير التشديد على القطيعة مع «دوائر الاستعمار» نقاشًا حول علاقات تونس الاقتصادية مع شركائها التقليديين وسبل المحافظة على التمويلات الخارجية دون المساس بالسيادة. هذا النقاش، في جوهره، صحيّ شرط أن ينتهي إلى مقاربة واقعية تُوازن بين الاستقلالية والانفتاح.
مصادر وتغطيات ذات صلة
- تقرير «لا برس» حول لقاء 22 سبتمبر 2025 ورسائله: رابط المصدر. 3
- أرشيف لقاءات سابقة مع رئيسي المجلسين خلال 2025 يبرز ثبات نفس الخطّ الاتصالي: Mosaïque FM، موقع الرئاسة – فيديوهات. 4
الخلاصة: نحو ترجمة عملية للخطاب
يلخّص لقاء 22 سبتمبر 2025 مقاربةً تؤكّد أنّ السيادة ليست شعارًا بل برنامج عمل يستوجب تشريعات دقيقة، وتمويلات مُهيكلة، وقدرًا عاليًا من التنسيق بين المجلسين والحكومة. ويبقى معيار النجاح هو الأثر الملموس على حياة التونسيين: شغل لائق، خدمات عمومية ذات جودة، وبنية تحتية تربط الداخل بالساحل، مع توزيع عادل للاستثمارات.
وبينما يواصل رئيس الجمهورية الدفع في اتجاه «حرب تحرير» تُعيد ترتيب الأولويات، تبقى الكرة في ملعب المنظومة التنفيذية والتشريعية لترجمة هذه العناوين الكبرى إلى آليات وأرقام وجدولة زمنية تُقاس وتُحاسب. فالتاريخ السياسي القريب لتونس يعلّمنا أنّ الرسائل القوية تحتاج دائمًا إلى سياسات عامة قابلة للتطبيق وإلى إدارة تنفيذية مرنة تكافح الأعطاب اليومية بلا تردّد.



