من باريس..الغنوشي يثير الجدل من جديد
من باريس..الغنوشي يثير الجدل من جديد
أثارت زيارة راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الى باريس بدعوة رسمية فرنسية جدلا حادا بين فريقين احدهما مستنكر ومستهجن ومستنقص وآخر مدافع عن مثل هذه الزيارات في اطار الحوار والترويج للتجربة التونسية ودعم موقع الحزب في المشهد السياسي.
سبق للغنوشي أن زار المانيا وايطاليا وبريطانيا والصين والولايات المتحدة ولم تثر تلك الزيارات مثل هذا الجدل وهذا في رأيي يعود الى عدة اسباب من بينها:
ان لفرنسا حضور قوي في المشهد التونسي تاريخي وسياسي وثقافي
وأن حركة النهضة حزب رئيسي في هذا المشهد وليس لها علاقات سابقة مع باريس مثل احزاب وشخصيات سياسية اخرى معروفة.
كما تأتي أهمية هذا الزيارة ايضا في توقيتها اي قبل انتخابات تشريعية ورئاسية مصيرية وكذلك في لحظة تشهد فيها دول الجوار ليبيا والجزائر احداث غير عادية.
وانطلاقا من هذه الاسباب نفهم مثلا انزعاج بعض اليساريين او بعض الاعلاميين والسياسيين من هذه الزيارة وابعادها ونتائجها المحتملة فهم يعتقدون ان العلاقة مع فرنسا يجب ان تظل حكرا على الحداثيين كما كانت دائما ومن خلالها يستمدون قوتهم.
ولذلك لا تثير زيارات شخصيات سياسية اخرى الى باريس الجدل مثلما فعلت زيارة الغنوشي.
ولكن رغم ذلك للزيارة أهمية تجعل الرأي العام يسأل عن توقيتها وغاياتها وأهم بنود التحاور فيها بين مسؤولين فرنسيين والغنوشي رفقة الوفد المرافق له والذي يضم نوابا وقيادات من الحركة.
فماذا تريد فرنسا؟
وماذا تريد حركة النهضة من هذه الزيارة؟
اولا يجب الملاحظة ان باريس لم تكن يوما مرتاحة للثورة التونسية ولا للتجربة الديمقراطية ولا لصعود حركة النهضة وانها دعمت بن علي قبل سقوطه كما دعمت بعض الاحزاب التي تدور في فلكها خلال السنوات الماضية دون فائدة؟
فهل غيرت باريس موقفها؟
ربما أو هي بصدد التعامل مع واقع جديد بالمنطقة
ثانيا: فرنسا تراقب عن كثب المشهد التونسي وهي تعلم ان النهضة ستبقى لاعبا رئيسيا وحزبا قويا في المستقبل وليس لها خيار غير الحوار معها. لم توجه فرنسا الدعوة لغير النهضة من الاحزاب او الشخصيات وهذا يدل على اهتمام وحاجة باريس الى الاجابة على الكثير من الاسئلة ربما من بينها:
هل تطورت النهضة فعلا وما حقيقة ادائها السياسي؟ وكيف تنظر النهضة الى علاج مشكلات تونس؟ وماهي رؤيتها للحرب في ليبيا؟
ثم اذا فازت في الانتخابات كيف ستكون علاقتها بفرنسا؟
أما حركة النهضة التي تصف سلسلة الزيارات التي يقوم بها رئيسها بالديبلوماسية الشعبية فهي تعمل كما تقول على مساندة الديبلوماسية الرسمية في دعم وحماية تجربة الانتقال الديمقراطي ودعم المصالح العليا لتونس.
ولكن النهضة تطمح أيضا الى شرح مواقفها وأفكارها وكسب صداقات دولية واقليمية بعد سنوات من التشويه الذي نالها من آلة بن علي الدعائية. كما تريد النهضة طمأنة الشركاء الدوليين ومسح الكثير من الأفكار المسبقة وان فوزها في الانتخابات لن يهدد السلم والأمن الدوليين.
من المؤكد ان الغنوشي الذي يعرف قدرة الغرب ومفكريه على التأثير في تجارب العالم الثالث لمس الكثير من الفوائد خلال لقاءاته الاخيرة مع مفكرين وفاعلين فرنسيين. وبعض من حاورهم الغنوشي عبروا عن دعمهم للتجربة التونسية.
اذا رغم الضجيج الذي صاحب الزيارة نجحت النهضة في تحقيق أكثر من هدف، بعضها استراتيجي بعيد المدى وآخر انتخابي آني.
كما نجحت فرنسا في سبر أغوار طرف سياسي مهم والاستماع له مباشرة وليس عبر وسطاء أو منافسين.
بعض الاصوات التي تنتقد الزيارة من داخل النهضة وخارجها يفوتها أن السياسة لا تقوم على المقاطعة والحرب الكلامية بل على الحوار. وأن افضل دعم لاستقلال تونس وسيادتها هو الحديث بندية مع القوى الدولية والنجاح في التفاوض معها على قاعدة المصالح المشتركة لا على قاعدة الاستعمار والتبعية وهذا ما اعتقد ان النهضة مرشحة للنجاح فيه على خلاف قوى سياسية أخرى.