“من الوارد أن لا تعجر تونس على صرف الأجور وشراء الأدوية وهذا في حد ذاته سيناريو خطير”
“من الوارد أن لا تعجر تونس على صرف الأجور وشراء الأدوية وهذا في حد ذاته سيناريو خطير”
france24.com
صورة ملتقطة في 27 آب/اغسطس 2021 في سيدي بوزيد في وسط تونس تظهر مواطنين يمرون اما تمثال لعربة محمد بوعزيزيانيس ميلي ا ف ب
أثار بيان البنك المركزي الذي صدر في تونس الأربعاء المزيد من القلق بشأن الوضع المالي للبلاد لا سيما في ظل مشهد سياسي ضبابي منذ إقرار رئيس الجمهورية إجراءات استثنائية في 25 يوليو/تموز الماضي. ولمعرفة واقع الوضع المالي في تونس والحلول المتاحة أجرت فرانس24 حوارا مع الصحافي المختص في الاقتصاد أيمن حرباوي.
زاد انعدام الاستقرار السياسي في تونس، لا سيما بعد التدابير الاستثنائية التي أعلن عنها رئيس البلاد قيس سعيّد في 25 يوليو/تموز الماضي في خطوة مفاجئة والقاضية بتجميد عمل البرلمان حتى إشعار آخر وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وتولي السلطات في البلاد، من تعميق المخاوف بشأن مزيد تدهور الوضع الاقتصادي واتجاه البلاد نحو الإفلاس فيما يطرح البعض اتجاه تونس نحو السيناريو اللبناني. ويشهد النمو الاقتصادي في تونس تدنيا منذ عشر سنوات (+0,6 بالمئة سنويا) بالإضافة إلى ارتفاع نسبة التضخم (6 بالمئة سنويا). وتجدر الإشارة إلى أن جائحة كوفيد-19 زادت الوضع سوءا إذ تسببت في ارتفاع نسبة البطالة وتراجع قطاعات حيوية في البلاد منها قطاع السياحة الذي يمثل نحو 14 بالمئة من الناتج الإجمالي الخام للبلاد، ويوظف حوالي 400 ألف شخص.
ويأتي هذا في وقت قامت فيه السلطات بتعميق الديون (حوالي 80 بالمئة من الناتج المحلي الخام) لكي تسدد معاشات موظفي القطاع العام. وما يزيد الطين بلة المواعيد النهائية الحاسمة التي تنتظر تونس لتسديد الديون. الموعد الأول يتمثل في تسديد 4,5 مليار يورو من الدين خلال هذه السنة، والموعد الثاني لإيجاد أكثر من 3 مليار يورو تمويل لاستكمال الميزانية.
وفي خضم ذلك عبر البنك المركزي الأربعاء في بيان عن “انشغاله بخصوص الشح الحاد في الموارد المالية الخارجية مقابل حاجيات هامة لاستكمال تمويل ميزانية الدولة لسنة 2021 وهو ما يعكس تخوف المقرضين الدوليين في ظل تراجع الترقيم (التصنيف) السيادي للبلاد”.
ويذكر أنه كان من المفترض أن يصوت مجلس النواب على قانون المالية التكميلي لسنة 2021 لكن تجميد أعمال البرلمان في إطار الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس التونسي قيس سعيّد يوم 25 يوليو/تموز الماضي ورسخها يوم 22 سبتمبر/أيلول حالت دون ذلك. وفي 29 من سبتمبر/أيلول كلف الرئيس قيس سعيّد نجلاء بودن بتشكيل حكومة جديدة للبلاد، “على أن يتم ذلك في أقرب الآجال”.
ولمزيد فهم بيان البنك المركزي حاورت فرانس24 الصحافي المختص في الاقتصاد أيمن حرباوي.
ماذا نفهم من بيان البنك المركزي؟
البنك المركزي بهذا البيان دق ناقوس الخطر أمام العجز الذي تسجله ميزانية تونس وهو بقيمة 9 مليار دينار (3 مليار يورو)، بالإضافة إلى صعوبة الحصول على تمويل خارجي.
في نفس الوقت، ليس بإمكان البنك المركزي تمويل الميزانية بنفسه مباشرة، وفق قانونه الأساسي (قانون 2016). لكن للإشارة فإن ذلك حصل لاستكمال قانون المالية التكميلي لعام 2020 اعتمادا على قانون استثنائي صوت عليه البرلمان آنذاك. لكن بصفة تلقائية الأمر مستحيل وفي نفس الوقت ليس هناك برلمان ليتدخل كما حصل في 2020. كما أن اللجوء للتمويل المباشر يؤثر على ثقة المقرضين الدوليين وفي ذلك تداعيات على البلاد ومدى التزاماتها بتعهداتها بالخارج.
ما هو تأثير الوضع السياسي في تونس على الأزمة الاقتصادية وكيف يمكن للرئيس قيس سعيّد أن يواجهها؟
تأثير الوضع السياسي على الوضع الاقتصادي في تونس واضح للجميع يتجلى من خلال عجز تونس على إحراز تقدم في مفاوضاتها مع بنك النقد الدولي، الذي يعتبر الحل الوحيد للحصول على مصادر تمويل للميزانية. ومفاوضات محتملة لا يمكن أن تتم إلا عندما يكون لنا حكومة.
وللتذكير فإن هناك دعوات دولية لتشكيل حكومة ولعودة البرلمان لعمله في تونس، وبالتالي فإن الوضع السياسي الراهن المتجه نحو تشكيل حكومة تؤدي اليمين أمام رئيس الجمهورية فقط لن يطمئن بنك النقد الدولي لأنه بذلك ليس هناك ضمانات لمستقبل البلاد ولقدرتها على تسديد ديونها.
حكومات سابقة مرت بتصويت مجلس النواب، لكن بنك النقد الدولي لم يلتزم معها بما تم التوصل إليه من اتفاقات ولم يمنحها القسط الأخير من القرض، ما ينبئ بأن الوضع السياسي الراهن سيزيد الأمر تعقيدا ويكون عقبة لمواصلة المفاوضات مع بنك النقد الدولي.
وإذا لم يتم التوصل لاتفاق مع بنك النقد الدولي لن يكون بإمكان تونس الخروج للاقتراض من الأسواق المالية العالمية، لأنها ستضطر لدفع فائدة مرتفعة جدا وتسديدها على مدى قصير.
الحل الوحيد هو أن يجري الرئيس التونسي حوارات ثنائية مع دول يمكن أن تقرضه لتغطية عجز الميزانية.
على سبيل المثال، فإن جورج غرة، ممثل مؤسسة المالية الدولية في تونس (وهي مؤسسة تعمل خاصة على تمويل المؤسسات الخاصة) قال مؤخرا في إطار ندوة عبر الإنترنت إنه على تونس أن تعوّل على نفسها لسد الثغرة في ميزانيتها وأن تتجه لإجراء حوارات ثنائية، ونفهم من كلامه هذا أنه يدعو تونس لإيجاد الحلول بنفسها لأنها من الصعب اليوم أن تجد من يقرضها.
حسب رأيك، هل يمكن أن تواجه تونس نفس مصير لبنان؟
لا أتصور أن تصل تونس إلى ما وصل إليه لبنان… لكن يمكن أن تصل إلى وضع قريب منه، فمن الوارد أن تجد تونس نفسها غير قادرة على صرف الأجور، أن لا تمتلك المال لشراء الأدوية واقتناء المواد الأولية التي تستحقها، وهذا في حد ذاته سيناريو خطير.