محمّد عبّو: التيّار أكثر حزب مستفيد من إعادة الانتخابات
محمّد عبّو: التيّار أكثر حزب مستفيد من إعادة الانتخابات
“التيّار أكثر حزب مستفيد من إعادة الانتخابات… نرجو أن نتوقف عن التلويح بإعادة الانتخابات، وإذا تعاودت الانتخابات يلزم الشعب التونسي يكون متابع التفاصيل مليح ويعرف شكون دفع بهذا الاتجاه.”
هذا بعض كلام محمّد عبّو على موزاييك أف أم، وهذا هو المدخل لتناول محمّد عبّو الظاهرة وليس محورنا إعادة الانتخابات أو تزكية تزكية الحكومة، المعني هو محمّد عبّو المناضل، الرجل الذي مازلت أؤكد أنّه يصعب المزايدة على تاريخه ولا على وطنيّته بغضّ النّظر عن بذوره السّياسيّة التي ينزل بها تباعا إلى السّوق، عبّو أيضا هو من الشخصيّات التي لا يمكن أو يصعب استمالتها من بؤر الثّورة المضادّة خاصّة تلك الإقليميّة الأيبوليّة الكورونيّة والآتش آي فيّة المبيدة.
محمّد عبّو رجل لديه خزينة محتمرة من المبادئ تتلعثم كلّما رغب في تصريفها سياسيّا، إلى جانب جرعة المبادئ يملك عبّو جرعة لا بأس بها من النرجسيّة، هو رجل يبرز أكثر في ساحات النّضال ويخبو كلما اقترب من الدولة والمسؤوليّة الرسميّة، يرتقي أداؤه إلى ذروته حين يبتعد عن الحسابات السّياسيّة ومحطّات الاستحقاقات الانتخابيّة، ويشرع في الارتباك كلّما طلبته الدولة أو طلبها. يتفطّن عبّو بشكل متأخر إلى طبيعة السّاحة التونسيّة واستحقاقاتها ومفرداتها وثناياها، يستقيل من حكومة الترويكا في زمن قاتل ويعرّض التجربة للاهتزاز لأنّ بعض شروطه لم تؤخذ بعين الاعتبار، ثمّ يقوم بتصدير خطاب ثوري يناكف به توافق الغنّوشي أو السبسي، ويستحوذ به على قواعد نهضاويّة طوباويّة وغير ممسّكة بحكمة في الجسم الكبير القديم، ثمّ وبعد سنوات يشرع عبّو وتحت استحقاقات السلطة في التواصل مع شخصيّات هي أدنى من الباجي بكثير ومع أحزاب منخفضة عن حزب النداء أو إمبراطوريّة النداء الماليّة الإعلاميّة السّياسيّة.
يعاني محمّد عبّو من ضعف في قراءة الميزان السّياسي، يبحث عن ندّيّة لحزبه الناشئ في وجه حزب مرّ على تأسيسه نصف قرن، ويرغب في رفع أسهمه بشكل مستعجل إلى مستوى مغالبة شخصيّة في سنّ 78 سنة مضى على دخولها معترك السّياسة من بوابة الفكر القومي ما يناهز الــ 60 سنة، عمليّة استعجال مستفزّة ترافقها حالة من حرق المراحل، مع الإصرار على عدم التقيّد بسُنن التدرّج وثقافة البناء المتأنّي ، كما يحدث أن يتطاول عبو على عامل الزمن.
تضرّر عبّو وحزبه من معركة الهويّة، بعد أن فشل بشكل كامل في إدارتها وأظهر نوعا من الارتباك الذي لا يعكس حقيقة شخصيّته الواثقة، أراد عبّو أن يجاري الهويّة، وهذا ليس بالعيب لأنّ السّياسي الناجح الذكيّ الذي لا يتبنى هويّة شعبه يسعه بل يتحتّم عليه أن يحترم تلك الهويّة ويجاريها ولا يصادمها، ففي المسائل الحضاريّة يجب على سلوكات السّياسي الوطني أن تتناغم مع قناعات شعبه وليس مع قناعاته التي يستمدّها من نخبة منبّتة عن ناسها، لكن عبّو سئم من مسايرة الهويّة خاصّة بعد أن كثرت استفزازات الفيسبوك النّهضاوي، وفشل في مسايرة معركة الفضاء الافتراضي، حينها عاد إلى صلب قناعاته وقام بعمليّة جراحيّة فصل بموجبها الهويّة وبشكل كامل عن التيّار الديمقراطي، مع شيء من التوتر، مع انسياق قيادات التيّار خلف استفزازات “الفسابكة” النّهضاويين، ما دفعهم إلى استدعاء أرشيف الجبهة الشعبيّة والالتجاء إلى عبارات وطديّة صرفة، مع تصاعد التوتر بين قادة التيّار والفسابكة الزرق، مع انحسار لحاف الهويّة بشكل تامّ.. مع كلّ ذلك تحوّلت ملامح التيّار الى ملامح جبهة شعبيّة جديدة بتعديلات طفيفة على جيناتها.
رغم كلّ ذلك لا يمكن اليوم وضع محمّد عبّو ولا التيّار في خانة “ووهان المؤدّلج.. ووهان المعسكر”، ولا يمكن مقارنته بالسيستام، لكن يمكن القول أنّ حزب التيّار الذي يغادر تدرجيّا مربّع الوسطيّة ويتحرّك تجاه مستنقعات الاستئصال وإذا ما واصل على هذا المنوال سيجد نفسه في الأخير حالة وطديّة مستعصيّة تضرّ السّاحة وتعطّل الانتقال ثمّ تنتهي إلى الانتحار. يعتقد الكثير أنّ تصنيفات مؤلمة لاحقت وتلاحق التيّار نتيجة التحامه بأحزاب الجماجم والأشلاء! ولا شك ان الالتحام بالاحزاب الصائعة المائعة أقل خطورة من الالتحام بأحزاب الدم.
وحتى يتجنّب التيّار مصير التتار المؤدّلج الذي انتهك نفسه ثم دمّرها، على قياداته أن تتوقّف عن اللهث خلف القواعد المتساقطة، مرّة تجني المتأرجح من قواعد النّهضة باسم الثوريّة ومرّة تلتقط قواعد الجبهة المتساقطة باسم الراديكاليّة والاستئصال، يمكن للتيّار أن يؤثّث حالة تيّاريّة متأنّية محترمة، يمكن أيضا لعبّو أن لا يستعجل القيادة والريادة وأن يلعب دور العناصر المكمّلة للسّاحة حتى يكتمل نموّه السّياسي، عليه أيضا أن ينأى بالتيّار عن سياسات أحزاب الجوطابل التي نشأت على ضدّيّة النّهضة، والتي قامت ببعض الأدوار الموسميّة ثم استسلمت للانقراض.
نصرالدين السويلمي