لابد من التذكير أولا أن حكومة المشيشي ولدت ولادة عسيرة، بعد تجاذبات طويلة و جدل بين من يمنحها الثقة و من يحجبها عنها، و لآخر لحظة و لحسابات سياسية نالت حكومته الثقة.. و قد إختاره الرئيس قيس سعيد كونه بعيدا عن التجاذبات و لا وصاية لأحد عليه أفرادا أو كيانات سياسية و لا إرتباطات له من أي نوع و لاؤه للإدارة و لتونس فقط لهذا إختير المشيشي..
اليوم و قد انتهى له أمر السلطة نزع جبة الاداري و الكفء و طفق يبجث لنفسه عن حزام سياسي و ربما في قادم الأيام عن تأشيرة سياسية تتكون نواتها شيئا فشيئا، كل شيء جائز و هذه مجرد قراءة مقارنة، قياسا لتجربة مقارنة( كتلة يوسف الشاهد و حزبه)..
إذا كان المشيشي يبحث عن حزام سياسي يمكنه من تمرير القوانين و تنفيذ البرامج و السياسات و العمل بأريحية فإنه صار لزاما الحديث عن متانة و صلابة هذا الحزام و هل يمكن للمشيشي الصمود و التعويل عليه دائما على حساب الأطراف المقابلة، ثم إذا تلاشى هذا الحزام ما مصير المشيشي في النهاية!!؟؟؟..
الحزب القوي المتماسك الأكثر انظباطا، الذي يستند عليه المشيشي، ليس هو نفسه الآن نظرا للمد و الجزر الظاهر فيه،( إستقالة عضوة من مجلس الشورى، و الصراع الدائر بين جماعة المائة و جماعة الغنوشي ) و لن يكون هو نفسه بعد المؤتمر الإنتخابية في نوفمبر المقبل، ثم إذا هو واصل التعويل على الثالوث اليميني فإنه سيدخل في تشابك و مناكفات ليس فقط مع اليسار و تفرعاته و لكن أيضا مع مؤسسة الرئاسة، التي بدأ يبتعد عن سطوتها بشكل لافت متمترسا بأسوار بالقصبة ما يعني أنه إختار أن يكون رئيس حكومة جزء من التونسيين و ليس كل التونسيين..
المشيشي وحده يتحمل مسؤولية خياراته، و هو مسؤول أمام البرلمان و خاضع للمساءلة في أي وقت و خاصة خلال ال100 يوم الأولى من العهدة..
حكومة إنجاز ، هذا هو عنوانها العريض غير أن ما نلاحظه هو إجهاز و إجهاض للمقدرة الشرائية و نسق مصاعد للأسعار، أسعار المواد الأساسية بالخصوص ما يعمق الفوارق الاجتماعية أكثر و يدفع إلى مزيد الإحتقان و التوتر ، فإذا إختار المشيشي أن يقف مع أقلية متنفذة خدمة لمصالحها و مصالحه على أساس أنها حزامه السياسي على حساب خدمة غالبية التونسيين، فإنه سيسقط قبل نهاية العام الحالي لانه فقد بذلك حزامه الشعبي و الأغلبي فنحن لازلنا نذكر الغداء الغير رسمي الذي جمعه بالإئتلاف و النهضة و قلب تونس ، حتى قبل أن يباشر عمله في القصبة، و لازلنا نذكر ان أول إجتماعاته كانت مع هذا الثالوث، ليس عيبا ان يجتمع المشيشي و يحاور و يتباحث مع من يريد و مع من إنتخبهم التونسيون، لكن بوصلة المشيشي السياسية تشير إلى إصطفاف و تموقع ظاهر يرجح كفة على كفة في الوقت الذي تتظافر فيه جهود كل الفاعلين السياسيين خدمة لتونس لا غيرها..
نرجو أن يكون المشيشي يعرف ماذا يريد و ماذا يريد الشعب…