لماذا اختار دونالد سعيد اقتراف جريمته يوم 25 يناير؟!!!
جريمة نكراء سجّلها قصر قرطاج الإثنين 25 جانفي 2021، جريمة أخرى بعد أن اعتقدنا أنّ جرائم الرئاسة ولّت مع بن علي، كلّ ما لم يفعله هذا الخطر الداهم من قبل فعله اليوم، عمليّة استخفاف رهيبة بمن حضر من رموز الدولة، بل نصب دونالد سعيّد فخّا على طريقة الأجلاف وجلب مكوّنات الدولة وهرمها وشرع في عمليّة سلخ معنويّة لا يفعلها إلّا أصحاب الأمراض العقليّة من درجة أولى، طريقة هرقليّة كسراويّة! مكرها وخبثها يشبه إلى ما فعله أبو العبّاس عبد الله السفّاح، فقط ولغ السفّاح في الدم وولغ دونالد سعيّد في اخلاق الدولة وأبجديّات الاحترام وبالغ في استعمال أساليب منحطّة للنيل من مكوّن السلطة ومؤسّساتها، تلك فعلة لم يلجأ إليها حتى رؤساء القبائل في العصر الجاهلي، كانت للمجالس حرماتها، ناهيك عن دولة حديثة يشاهد العالم حركاتها وسكناتها.. لقد فضحنا!! لقد نال من ثورتنا أمام الشامتين.
يعتقد دونالد سعيّد أنّ رئيس الحكومة الذي يفوقه في الصلاحيات بنصّ الدستور أو رئيس البرلمان أو بقيّة مكوّن مجلس الأمن القومي، يعتقد أنّهم صمتوا أمام أسلوبه الهمجي خوفا منه أو احتراما له! بينما صمتوا لوعيهم أنّ الفأس وقعت في الرأس، وأنّهم أمام كتلة من العقد قادرة على فعل أي شئ بما فيها تفجير مشروع الانتقال الديمقراطي والإجهاز على الثورة ودفع مؤسّسات الدولة إلى التناحر، بل إنّ خطاب اليوم الإثنين يؤشّر بشكل واضح إلى أنّ دونالد سعيّد يستفز الجميع ويتحرّش ويناكف.. يبحث عن نوع من الاشتباك المدمّر، يقوي من هيجانه ليشرع في اقتراف الجريمة الكبرى.
اليوم وبعد هذا الخطاب يقف الكثير ممن ارتخوا إلى سلامة الانتقال السياسي وزهدوا في الحريّة وكأنّها مضمونة لا يتطرّق إليها الخطر، وشرعوا في فتح جبهات صراع أخرى، اليوم وبعد الفخ الذي نصبه أبو العبّاس سعيّد لمكوّنات الدولة التونسيّة على الجميع أن يستيقظوا، فالانتقال كما شاهدنا ما زال هشّا والحريّة ما زالت قابلة للقضم بل للالتهام، وإن كانت أمريكا صاحبة الديمقراطيّة الطويلة عانت من رعب دونالد ترامب وتنفّست الصعداء في آخر الدقائق حين تخلّى المجنون عن الحقيبة النوويّة، فإنّ تجربة تونس الهشّة لا يمكن أن تصمد أمام ترامب التونسي، بل إنّ ترامب الأمريكي أفضل من هذا الذي وصل إلى قرطاج في غفلة ديمقراطيّة، لأنّ ترامب يحكم بنظام رئاسي كامل رغم ذلك رأينا سجاله مع رئيسة البرلمان والصراع بينهما، وكيف وقفت له وحاولت تجفيف عبثه بدستور أمريكا، أمّا دونالد التونسي فيحكم من داخل نظام شبه برلماني، الكلمة فيه إلى رئيس الحكومة والبرلمان، رغم ذلك تصرّف أبو العبّاس سعيّد كما يتصرّف الرؤساء الشموليين الحاقدين الذي يتقلّبون في حكم الفرد يسوسون ويبطشون به.
في كارثة 25 جانفي 2021 سفّه أبو العبّاس سعيّد كلّ شيء، ابتداء بمجلس الأمن القومي الذي كثّره بعناصر تابعة له دم سابق علم، عناصر مثيرة فاجأ حضورها حتى أعضاء المجلس أنفسهم، ثمّ خاطب الحضور بطريقة هستيريّة فجّة، وقام بنثر سلّة من المعاني الجارحة على الجميع وفي كلّ الاتجاهات ثمّ تفرّغ إلى تقريع المشيشي!!! المشيشي الذي هو رئيس الحكومة والذي صلاحيّاته أكبر بكثير من صلاحيّات أبي العبّاس سعيّد.
وكالعادة زرع الكارثة الإحباط وصوّر البلاد على حافة الانهيار وشوّه عشر سنوات من الصمود والثبات في وجه الثورات المضادّة، وكأنّه يقول للسيسي في يوم 25 يناير لقد أحسنت فعلا، وكأنّه يبرق للعرب بأنّ ثورة تونس كذبة وأنّ الدبّابات أحسنت إذْ وأدت بقيّة الثورات، إنّها جريمة يا سادة! إنّها فضيحة! إنّها خيانة! إنّه الجنون يتحدّث بصوت نشاز حاقد! إنّنا أمام شخصيّة على استعداد لاختزال الثورة والشهداء والمعاناة والصمود طوال عقد من الزمن، اختزال كلّ ذلك في شخصه!!! أمّا أن تستسلم التجربة وتنصّب أبا العبّاس سعيّد عقيدا جديدا وتفسح للجانه الشعبيّة وتفسح لتجربته المخبولة المجنونة، وإلّا فالويل لتونس والويل كلّ الويل لثورتها وانتقالها الديمقراطي.. إنّها كتلة من النرجسيّة الغير تقليديّة، نرجسيّة بيولوجيّة أو كيمياويّة أو نوويّة أو جرثوميّة.. المهم لسنا بصدد نرجسيّة تبحث عن بعض التسيّد، بل أمام نرجسيّة تبحث عن الاستعباد والاسترقاق السادي، إنّه ينتشي بممارسة الساديّة على مكوّنات الدولة التونسيّة، إنّه لم يكتفِ بفتح القصر أمام عصابته بل أقحمهم في مجلس الأمن القومي!!!
سوف تلاحقك هذه الجريمة يا انت! جريمة يوم 25 يناير، حين كان الأشقّاء يترقّبون الأمل من تونس، خرجت عليهم وكأنّك مبعوث سفّاح الساحات وعرّاب الثورات المضادّة ومرسول البراميل المتفجرة، كأنّهم طلبوا منك أن تسفّه ثورة تونس في ذكرى 25 يناير! ندرك أيّها أبو العبّاس أنّك ترغب في لعب دور حفتر في وجه ثورة فبراير ودور السيسي في وجه ثورة يناير، لكن تخطئ ! تخطئ جدّا، فبرد ديسمبر يحنّطك يجمّدك يشلّ حركتك…. تتهكّم على دستور وقّعه سيّدك المرزوقي وسيّدك العريض وسيّدك بن جعفر، ترغب في الغاء توقيع المرزوقي حسدا من عند نفسك! إذًا قل لعقارب الزمن تعود، وواجه بورقيبة وبن علي والسجون والمهاجر، امخر الساحة وتقدم منصات حقوق الانسان حين كانت باهظة الثمن، تعرض الى ما تعرض له الرجال ثم اطمع في محو توقيعهم واستبداله بتوقيعك الفخ، أيها الرئيس الفخ!
أتعلم من هؤلاء الذين تسفه دستورهم؟ إنّهم ملح الساحة ووجه تونس المضيء زكف الوكن المخضب بالتعب الجميل، بالتعب الاصيل، كانوا النبراس حين انطفأ كلّ شيء وتركتم بن علي يرتع، كان هؤلاء في الواجهة، حينها كنت أنت تكتفي بحرق السجائر وشفط قهوتك وتمرّ على المخبزة لتحمل الباڨات للستْ! تسفّه حبر من أيّها الأحمق، تسفّه حبر الدكتور والدكتور والمهندس! تسفّه حبرا كتبته أقلام النّضال.. يا أبا رغال.!