في ذكرى وفاته الثانية والعشرين: نجيب الخطاب، مسيرة طموح ونجاح
بدأ طالب التاريخ والجغرافيا أصيل تطاوين نجيب الخطاب مسيرته بدار الصباح بالتوازي مع الدراسة ثم كمعلق رياضي بالإذاعة الوطنية عندما رافق المنتخب التونسي إلى الأرجنتين سنة 1978 ومن منا لا يذكر صيحاته فرحة بثلاثية الفوز ضد المكسيك!
سنة 1984، تفاجأ جمهور الشاشة الصغيرة بنوعية جديدة من البرامج يقدمها رجلٌ لا يستجيب كثيرا إلى معايير الوسامة التلفزية “المتفق عليها”. لكن الخطاب كان يملك مهارات أعتى وأبقى من الجمال، ما كان هو بنفسه يسميه بـ “القْبُول”! كان الخطاب يؤثث سهرتي السبت والأحد بمنوعات مباشرة تتخطى الست ساعات على التوالي تنوعت فيها الفقرات والضيوف. وكان ذلك بالتوازي مع عمله بالإذاعة كمعد ومقدم كذلك. من أشهر برامجه: لو سمحتم، 5/5، سهرية على الفضائية، الدنيا تغني، علاش لا، بدون استئذان، من غير مواعيد، إلخ… كان نجيب الخطاب يؤمن أن الألعاب والمحتوى المتجدد كان هاما لشد المشاهدين طوال ساعات البث مؤسسا بذلك تقليد “نسبة المشاهدة” في تونس الذي غيًر المشهد السمعي البصري وأكسبه تمكنا كان يظهر للعيان من حصة إلى أخرى متربعا بذلك على عرش التنشيط التلفزي بالبلاد لسنوات.
ذاع صيته في العالم العربي ووصل إلى بث مشترك مع القناة الجزائرية والقناة الأردنية واستضاف نجوما من الصف الأول آنذاك كانوا يلبون الدعوة للحضور خصيصا في برنامجه على غرار هاني شاكر، كاظم الساهر، يونس شلبي، صفية العمري، عزت العلايلي، هالة صدقي، ماجدة الرومي، دريد لحام، ميادة الحناوي وغيرهم…
في حديث موزاييك مع أحد العاملين بالفريق التقني مع الخطاب، عبر هلال المعمري، الذي شغل خطة monteur معه لسنوات، أن علاقة نجيب بالتقنيين كانت علاقة يسودها الاحترام والجدية وأنه كان سدا منيعا أمام كل ما يمكن أن يصيب الفريق لإيمانه بأن العمل لا يتم إلا إذا كانت ظروفه طيبة من معاملات إنسانية وإدارية، أي أنه كان يحميهم ويتحمل معهم الخطأ إن حدث كما كان يحرص على خلاص أجورهم في مواعيدها.
“نجيب كان ما يحقر حد وفنانين تونس لكل طلعهم هو”، على حد قول المعمري في حديثه عن الفنانين التونسيين الذين استضافهم نجيب الخطاب ولو كانوا في بداية مسيرتهم، كان يؤمن بموهبتهم ويعطيهم فرصة الظهور في برنامجه الجماهيري حتى يتسنى له التعريف بنفسه للـ “نظّارة”، كما كان يسميهم. من بينهم غازي العيادي، ذكرى محمد، أمينة فاخت، صوفية صادق وغيرهم…
كان متفانيا في عمله ولا يغادر مكتبه حتى للفطور طالما لم يتمم ما لديه. ومن فرط حرصة على عدم الخلط بين الإذاعة والتلفزة، كان يقوم ببحث مضاعف حتى لا يتكرر المحتوى.
من نقاط قوته، الأبحاث المعمقة وشبكة العلاقات التي كانت له والتي كانت تسهل عليه مهمة الاتصال أو الاستفسار عن معلومات تخص ضيوفه. كما كان مقربا من عامل الهاتف (standardiste) المعروف الحبيب اللمسي الذي كان فاقدا للبصر والذي كان يُعتبر ذاكرة الإذاعة والتلفزة ودليلها.
كان يستهل برامجه بجملة: ما رضاء الله إلا برضاء الوالدين، كان ساحرا في خطابه وفي حواره، بسيطا وعميقا في نفس الوقت، كان ينتقي كلماته دون أن يفقد سرعة بديهته وروح الدعابة التي فيه.
ويحكى أن بن علي كان منزعجا منه حيا وتحت اللحود لأنه سرق منه الأضواء إذ أنه حجب ذكرى أربعينيته من الإعلام التونسي لما رآه من صدى لحدث وفاته.
غادرنا نجيب ذات 25 أفريل 1998 في سن الخامسة والأربعين إثر نوبة قلبية وعنونت الصحف بالبنط العريض: وداعا صديق الجماهير، الشارع يبكي الرجل الذي أسعده، الخطاب: رحلة الدموع والطموح والنجاح ولن ننساك يا نجيب…
المصدر : موزاييك أف أم