عاجل: بلاغ جديد من متقاعدي الجيش التونسي بخصوص الأزمة السياسية في البلاد
مشترك من: – جمعية قدماء ضباط الجيش الوطني
– الجمعية التونسية للعسكريين المتقاعدين
– ودادية القوات الخاصة
ما من شك أن المؤسسة العسكرية تحظى بأعلى درجات الثقة والاحترام من قبل المواطن التونسي. ولم يكن ذلك من باب الصدفة بل هو ناتج عن عقود من العمل الجاد والمثابرة والتفاني في خدمة الوطن.
فقد احتضن الجيش نسبة هامة من شباب البلاد في واجب الخدمة العسكرية وزرع فيهم روح الوطنية وقيم التفاني ونكران الذات، كما وقف منذ نشأته وعلى امتداد سبعة عقود إلى جانب الشعب في سرائه وضرائه، فحمى البلاد من الأخطار الخارجية والداخلية، وظل سدا منيعا ضد كل محاولات المساس بالاستقرار والأمن. كما ساهم بكل اقتدار وتفان في إنقاذ البلاد خلال الجوائح والمحن الكبرى، وساهم في تنمية البلاد في الصحراء وفي الجهات الصعبة التي تستعصي على تدخل المقاولات المدنية.
إن ما استطاعت أن تنجزه المؤسسة العسكرية العتيدة لم يكن متيسرا دون اكتسابها لعقيدة ثابتة وعزيمة قوية جعلاها تبرهن في كل المناسبات – سواء داخليا أو على النطاق الدولي – على مستوى عال من المهَنية والانسجام والانضباط، وكذلك عن كفاءة مرموقة لأفرادها وقياداتها في الأداء والتسيير، وهو أمر لا يمكن كسبه دون تكوين متين وتجربة عابرة للحدود مما مكنت جيشنا الوطني من منافسة أعتى الجيوش في عديد المناسبات وفي أقسى الظروف.
ولما جاءت أحداث سنة 2011 برهن هذا الجيش للجميع، في الداخل والخارج عن وطنيته الراسخة وعن مدى تمسكه بالانضباط واحترامه للشرعية وعلى قدرته على ضبط النفس ونكران الذات مما جعل الشعب بأسره يرتاح لأدائه وجعل المجتمع الدولي يتيقن بأنه فعلا جيش جمهوري بصفة لا تدع مكانا للشك.
وفي الأيام الأخيرة قام بعض العسكريين المتقاعدين مبادرات شخصية تتعلق بالشأن العام والمجال السياسي بصفتهم الشخصية كمواطنين يجوز لهم ممارسة كل الحقوق والواجبات التي يخولها لهم الدستور والتشريع. فأدلوا بآرائهم حول الوضع العام بالبلاد، وتقدموا باقتراحات يعتقدون أنها كفيلة بتحسين المناخ السياسي والاجتماعي عموما.
غير أن هذه المبادرات أحدثت ردود أفعال مختلفة في عدد من المنابر الإعلامية وفي الوسائط الاجتماعية، تميز بعضها بالخلط بين العسكري المتقاعد الذي يتمتع بكل الحقوق المدنية بما فيها ممارسة العمل السياسي مثل كل المواطنين وبين المؤسسة العسكرية التي تلتزم بالحياد التام إزاء الأحزاب والتنظيمات السياسية ولا يحق لمنتسبيها المباشرين ممارسة السياسة.
وقد انساق البعض ممن تعمدوا هذا الخلط إلى المساس بهيبة المؤسسة العسكرية، وإلى الإساءة إلى سلك العسكريين المتقاعدين عموما.
وتبعا لما أدت إليه هذه الحادثة المؤسفة من سوء فهم وخلط في استيعاب الأمور، فإننا نحن العسكريون المتقاعدون، بغض النظر عن المبادرات المذكورة وبعيدا عن الاصطفاف وراء أي منها:
1- نثمن المواقف الإيجابية لأغلب الإعلاميين ووسائل الإعلام السمعي والبصري التي كانت في مستوى المسؤولية والإدراك للموضوع من جانبه القانوني المتعلق باستحقاقات العسكريين المتقاعدين في المواطنة وحرية التعبير، وفي جانبه السياسي في الرأب بالمؤسسة العسكرية والنأي بها عن التجاذبات مهما كانت الادعاءات والحجج.
2- نهيب بالزملاء الكرام من العسكريين المتقاعدين ممن يرغبون في الخوض في الشأن العام – والسياسي منه بالخصوص- بالتأكيد على استقلالية نشاطهم المذكور عن المؤسسة العسكرية، وتفادي ما يمكن أن يمس بها وبالأمن القومي مهما كان الاتجاه الأيديولوجي المتبع من قبلهم.
3- نستنكر ما يروج له من خلال بعض المواقف من وجوب تخلي العسكريين المتقاعدين عن رتبهم عند ممارسة الشأن العام، بتعلة أن هذه الصفة تصبح لاغية مع الإحالة على التقاعد أو مغادرة الجيش. والحال أن الحقيقة غير ذلك حيث أن الرتبة العسكرية التي يكتسبها العسكري عند إحالته على شرف المهنة هي حق مكتسب، وجزء لا يتجزأ من هويته القانونية، ومقياس لمستواه العلمي والمعرفي، لا يمكن نزعه منه إلا بالتجريد في حالات خاصة يبينها القانون الجزائي الجاري به العمل.