عاجل/ قرار مفاجئ في قضية محمد بوغلاب… وهذا ما تقرّر في جلسة الاستئناف… voir plus
متابعة موقع تونيميديا
وتعود القضية إلى شكاية رفعتها أستاذة جامعية اتهمت فيها الصحفي بالإساءة إليها من خلال تدوينة نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تهمة تندرج قانونياً ضمن خانة الإساءة إلى موظفة عمومية عبر الأنظمة المعلوماتية. وقد أثارت هذه القضية منذ بدايتها جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والحقوقية، خاصة في ظل تزايد عدد القضايا المتعلقة بالمحتوى المنشور على المنصات الرقمية.
وكان القضاء الابتدائي قد أصدر حكماً بالسجن لمدة عامين في حق محمد بوغلاب، وهو ما دفعه إلى استئناف الحكم، معتبراً أن التدوينة محل التتبع تدخل في إطار النقد والتحليل وليس في إطار التشهير الشخصي. وقد أدى ذلك إلى انتقال الملف إلى مرحلة الاستئناف التي تشهد اليوم إعادة جدولة الجلسة.
ويكشف قرار التأجيل عن رغبة الدائرة الجنائية في تمكين هيئة الدفاع من إعداد حججها، خاصة وأن الملف يحظى بمتابعة إعلامية واسعة، ويطرح أسئلة عميقة حول حدود حرية التعبير في الفضاء الرقمي، وكيفية تعامل القضاء مع قضايا الرأي والأفعال التي تندرج في إطار استعمال وسائل الاتصال الحديثة.
وتعد هذه القضية مثالاً على التحولات التي يشهدها المشهد القانوني في تونس، خاصة مع التطور الكبير الذي عرفته شبكات التواصل الاجتماعي، حيث أصبحت التدوينات والمحتويات المنشورة قابلة للمساءلة القانونية بتهم تتراوح بين الثلب، التشهير، الإساءة لموظف عمومي، ونشر أخبار زائفة. وقد أدى ذلك إلى زيادة عدد الملفات المعروضة أمام القضاء، وإلى جدل حول كيفية الموازنة بين حماية الأشخاص وحق الصحفيين والمواطنين في التعبير.
من جانب آخر، تؤكد بعض الهياكل المهنية أن الإشكال لا يتعلق فقط بالمضمون المنشور، بل بفهم حدود الحرية الرقمية، خاصة من طرف الذين يستخدمون المنصات بصفة يومية. فالقانون التونسي يعتبر الموظف العمومي جهة محمية قانونياً، مما يجعل أي إساءة موجهة إليه، ولو في سياق نقد مهني، محل تتبع جزائي إذا رأت المحكمة ذلك. وهو ما يضع الإعلاميين أمام ضرورة اعتماد خطاب دقيق ومتوازن عند تناولهم للمواضيع الحساسة.
ويشير متابعون إلى أن القضية تحمل أيضاً بعداً آخر يتعلق بعلاقة الصحافة بالقضاء، وحدود النقد الموجه للموظفين العموميين، خاصة في سياق الممارسات اليومية داخل المؤسسات. فبينما يرى البعض أن النقد حق مكفول، يعتبر آخرون أن بعض التدوينات قد تتجاوز حدود اللياقة المهنية وتتحول إلى مساس بالشرف أو السمعة الشخصية.
كما تأتي هذه القضية في وقت يتزايد فيه النقاش الوطني حول ضرورة تحديث الإطار القانوني الذي ينظم الفضاء الافتراضي، بما في ذلك إحكام استعمال القوانين الخاصة بالجرائم المعلوماتية. وقد دعت عدة منظمات إلى ضرورة تطوير فهم تشاركي لهذه القوانين، بما يحافظ على حرية التعبير من جهة، ويحمي الأشخاص من الاعتداءات الرقمية من جهة أخرى.
ومن المنتظر أن تشهد جلسة 5 ديسمبر المقبل تطورات مهمة، خاصة بعد أن أكدت هيئة الدفاع نيتها تقديم دفوعات جديدة قد تغيّر موازين الملف. وتشير مصادر قانونية إلى أن المرافعات قد تتوسع لتشمل النقاش حول نوايا النشر، سياق التدوينة، وطبيعة العلاقة بين الصحفي والموظفة التي تقدمت بالشكاية.
كما يُتوقع أن تتناول الجلسة مسألة مدى توافر العناصر القانونية المكونة لجريمة الإساءة عبر الأنظمة المعلوماتية، وهي جريمة تتطلب إثبات الضرر المعنوي أو المادي، إضافة إلى إثبات النية. وهو جانب غالباً ما يكون محل خلاف بين الدفاع والنيابة العمومية.
من جانب آخر، يعرف الرأي العام اليوم اهتماماً متزايداً بقضايا الإعلاميين، حيث يرى عدد من المتابعين أن هذه الملفات أصبحت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتطور حرية الصحافة وتغير علاقة المجتمع بالمعلومة. ويعتقد البعض أن القضاء يلعب دوراً حاسماً في تنظيم هذا المجال، بينما يرى آخرون ضرورة التوجه إلى مقاربة تشاركية تجمع الهياكل المهنية، القضاء، والمشرّع.
في كل الحالات، يبقى موعد 5 ديسمبر محطة بارزة في مسار هذه القضية، خاصة في ظل ما أثارته من نقاشات مهنية وقانونية. وسيكون للحكم المنتظر تأثير مباشر على المشهد الإعلامي، وعلى طبيعة ممارسات الصحفيين في الفضاء الرقمي، سواء في ما يتعلق بحرية النقد أو بحدود المسؤولية.
خاتمة
تمثل قضية محمد بوغلاب نموذجاً واضحاً للتقاطع بين حرية التعبير والمسؤولية القانونية في العصر الرقمي، وتكشف عن الحاجة إلى مزيد من التوضيح القانوني في التعامل مع التدوينات والنشاط الإلكتروني. ومع اقتراب موعد الجلسة الجديدة، يبقى الشارع الإعلامي ينتظر ما ستؤول إليه التطورات، خاصة في ظل حساسية الملف وتداعياته على الممارسة الصحفية في تونس.
