تراجع الدولار أمام الدينار التونسي في الايام الاخيرة: الأسباب والآفاق

تراجع الدولار أمام الدينار التونسي: الأسباب والآفاق
مقدمة
شهد سعر صرف الدينار التونسي خلال الأشهر الأولى من سنة 2025 تحسنًا ملحوظًا أمام الدولار الأمريكي، حيث بلغ يوم 11 أفريل 2025 مستوى 2.9903 دينار للدولار الواحد، وهو أعلى مستوى يسجله الدينار منذ ثلاث سنوات. هذا التراجع المفاجئ للدولار أثار اهتمام المتابعين للشأنين المالي والاقتصادي، وفتح باب التساؤلات حول العوامل التي قادت إلى هذا التغير، وآفاق تطور سعر الصرف مستقبلاً.
—
أولاً: الأسباب الرئيسية لتراجع الدولار
1. قوة أداء الدينار في الفترة الأخيرة
أظهر الدينار التونسي قدرة واضحة على مقاومة ضغوط السوق، وسجّل ارتفاعًا بنسبة 0.6% مقابل الدولار خلال شهر فيفري 2025. هذا التحسن النسبي مرده عدة عوامل هيكلية ومالية، يأتي على رأسها تدخل البنك المركزي التونسي بسياسات نقدية أكثر حزماً لضبط السيولة وتعديل السوق.
2. ارتفاع تحويلات التونسيين بالخارج
سجلت تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج ارتفاعًا ملحوظًا في بداية السنة، وهو ما ساهم في دعم احتياطي العملة الصعبة، وبالتالي تقوية موقف الدينار في سوق الصرف. ويُقدّر حجم هذه التحويلات بأكثر من 1.5 مليار دينار خلال الربع الأول من السنة.
3. تقلص نسبي في العجز التجاري
ساهم تراجع الواردات، خاصة من المواد غير الأساسية، وارتفاع الصادرات في تحسين الميزان التجاري نسبيًا، ما دعم قيمة العملة الوطنية. كما ساعد انخفاض أسعار بعض المواد الأساسية عالميًا، مثل النفط، في تخفيف الضغط على الميزانية وميزان المدفوعات.
4. سياسة التحكم في سوق الصرف
اعتمد البنك المركزي التونسي سياسة أكثر تدخلًا للحد من تقلبات سعر الصرف، مع تكثيف عمليات التدخل في السوق النقدي لامتصاص الطلب على العملة الصعبة، وهو ما ساهم في استقرار الدينار.
—
ثانيًا: التحديات والآفاق المستقبلية
1. تقلبات السوق العالمية
رغم المكاسب الحالية، فإن مستقبل الدينار لا يزال رهين تطورات السوق العالمية. أي تراجع في الطلب الأوروبي على الصادرات التونسية أو ارتفاع جديد في أسعار المواد الأولية قد يعيد الضغط على الدينار.
2. العجز الجاري
لا يزال عجز الحساب الجاري يمثل تحديًا كبيرًا، حيث بلغ في نهاية فيفري 2025 حوالي 1654 مليون دينار. استمرار هذا العجز قد يؤدي إلى استنزاف تدريجي للاحتياطي من العملة الصعبة، ويضعف من قدرة البنك المركزي على حماية الدينار.
3. حاجة البنوك إلى السيولة
أشارت آخر التقارير إلى ارتفاع حاجة البنوك التونسية للسيولة، ما قد يدفع البنك المركزي إلى ضخ المزيد من الأموال، وهو ما قد يؤثر على توازن السوق النقدي إذا لم يكن مدعومًا بنمو اقتصادي فعلي.
4. التزامات خارجية واستحقاقات ديون
ستواجه تونس خلال النصف الثاني من سنة 2025 عدة استحقاقات ديون خارجية، مما قد يعيد الضغط على سوق الصرف، ما لم يتم توفير مصادر تمويل خارجية جديدة، أو إنجاح مفاوضات مع المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي.
—
خاتمة
يعكس تراجع الدولار أمام الدينار التونسي في الفترة الأخيرة تحسنًا ظرفيًا في بعض المؤشرات الاقتصادية والمالية، مدفوعًا بعوامل ظرفية وجهود مؤسساتية. لكن الحفاظ على هذا النسق الإيجابي يتطلب إصلاحات هيكلية عميقة، واستقرارًا سياسيًا ومناخًا استثماريًا جذابًا.
في ظل هذه المعطيات، يبقى المشهد مفتوحًا على احتمالات متعددة، تتأرجح بين الاستمرار في التحسن أو عودة الضغوطات، حسب قدرة الدولة على مجابهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية في المرحلة القادمة.