تراجع أسعار زيت الزيتون يهدّد استدامة القطاع الفلاحي في تونس

تخفيض زيت الزيتون يهدّد الفلاحين…voir plus
وأكد نصر أن تونس تُعتبر من بين أبرز الدول المنتجة لزيت الزيتون عالي الجودة، إلا أن أسعار البيع في السوق المحلية تقل عن نظيراتها في الدول المتوسطية المنافسة على غرار إيطاليا واليونان وتركيا وإسبانيا وفرنسا. هذا الفارق في التسعير لا يعكس القيمة الحقيقية للمنتج، بل يساهم في إضعاف هامش الربح ويقوّض قدرة المزارعين على الاستمرار، خصوصًا أولئك الذين يعانون من الظروف المناخية الصعبة وتقلّص مردودية الغراسات البعلية.
وشدّد الخبير على أن حملات الضغط الرامية إلى تخفيض الأسعار، والتي تنتشر كل سنة قبل موسم الجني بفترة تتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر، تؤثر بشكل مباشر على صغار الفلاحين. هؤلاء الفلاحون ينتظرون المواسم الجيدة لفترات طويلة حتى يعوّضوا ما تكبّدوه من خسائر في السنوات الجافة، غير أن هذه الحملات تجعلهم يبيعون إنتاجهم بأقل من كلفته الحقيقية، ما يدفع الكثير منهم نحو التداين أو التخلي عن نشاطهم.
دراسة ميدانية تكشف خسائر صغار الفلاحين
قدّم نصر خلال الندوة نتائج دراسة ميدانية أنجزها بالتعاون مع الباحثين محمد العربي عبد العظيم ووسيم الرياحي حول تكاليف إنتاج زيت الزيتون في ولاية زغوان. شملت الدراسة عيّنة من 11 مستغلة فلاحية خلال موسمين مختلفين، أحدهما موسم 2023/2024 الذي تميّز بجفاف غير مسبوق، والآخر موسم 2024/2025 الذي عرف تحسنًا نسبيًا في الأمطار. وأوضحت النتائج أن العديد من الفلاحين الذين يعتمدون على الزياتين البعلية لم يحققوا أرباحًا تذكر عند احتساب معدل الموسمين، بل إن بعضهم تكبّد خسائر جعلته مجبرًا على التداين لتغطية المصاريف الأساسية.
85% من الزياتين بعلية… لماذا هذا مهم؟
ذكّر نصر بأن 85% من المساحات المغروسة بالزياتين في تونس هي غراسات بعلية تعتمد كليًا على الأمطار ولا تستفيد من نظم ريّ حديثة، ما يجعل إنتاجها هشًا وغير منتظم. كما أن أغلب المستغلات صغيرة الحجم وتدار بطرق عائلية، وهو ما يزيد من تأثير تقلّبات الأسعار على أصحابها. وأشار إلى أن الضغط المتواصل على أسعار زيت الزيتون ينعكس سلبًا على رفاه الفلاحين والاقتصاد الوطني، وقد يدفع بالجيل الشاب إلى العزوف عن الالتحاق بهذا القطاع.
سيناريوهات لحماية الفلاحين وتعديل الأسعار
طرح الخبير سيناريوهين متكاملين يمكن أن يساعدا في إعادة التوازن إلى السوق وضمان حقوق الفلاحين دون المساس بقدرة المستهلك على اقتناء مادة زيت الزيتون.
السيناريو الأول: تدخل الدولة عبر آلية بيع مدعّم
يقوم هذا السيناريو على أن تتولى الدولة بيع زيت الزيتون المنتج داخل الديوان الوطني للأراضي الدولية بأسعار أقل للمستهلك، باعتبار أن إنتاج هذه الأراضي يتم من خلال تمويل عمومي. وفي المقابل، يتم ضبط أسعار التصدير وفق الأسعار العالمية مع ضمان هامش ربح للمصدرين، ما يخلق توازنًا بين المستهلك والفلاح والمصدّر ويعزّز الشفافية في السوق.
السيناريو الثاني: الاستئناس بالنماذج الدولية
قدّم نصر نموذجًا ناجحًا من المملكة العربية السعودية، حيث يقوم المركز السعودي للنخيل والتمور باقتناء التمور من صغار المنتجين بأسعار تفاضلية قبل تسويقها داخليًا وخارجيًا. يرى الخبير أن تونس يمكنها اعتماد مقاربة مشابهة عبر الديوان الوطني للزيت بالنسبة لقطاع الزيتون، والمجمع المهني للتمور بالنسبة لقطاع التمور، بما يضمن حماية الفلاحين من تقلّبات السوق ويحفّزهم على مواصلة الاستثمار في هذا المجال.
خلاصة
يتّضح من خلال المعطيات والتحاليل التي قدّمها الخبير نور الدين نصر أن قطاع زيت الزيتون في تونس يواجه تحديات حقيقية تتعلق بتكاليف الإنتاج، هشاشة الغراسات البعلية، وحملات الضغط على الأسعار. ويحتاج القطاع إلى حلول واقعية تعيد التوازن بين مصلحة الفلاح والمستهلك والمصدّر، وتحافظ على مكانة زيت الزيتون التونسي في الأسواق العالمية.



