تلوح في الأفق بوادر أزمة دبلوماسية تهدد شكل العلاقات الثنائية بين تونس وليبيا ومستقبلها، عقب تصريحات الرئيس قيس سعيد بشأن حقل البوري وأحقية بلاده في جزء من عائداته.
أزمة مرتقبة
ولئن لم تُصدر حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة أي موقف رسمي تجاه تصريحات سعيّد إلى الآن، فإنّ المسؤولين المحليين في ليبيا طالبوا “أعلى سلطة” بضرورة الرد والدفاع عن حقوق البلد المشروعة التي أقرها حكم دولي.
وأمس السبت، رد وزير النفط والغاز بحكومة الوحدة الوطنية الليبية محمد عون، على تصريحات سعيّد قائلا: “قضية حقل البوري تمّ الفصل فيها من قبل محكمة العدل الدولية”.
وأضاف عون في تصريحات إعلامية، أنّ الردّ على تصريحات الرئيس التونسي يجب أن يكون “من أعلى هرم الدولة الليبية”.
ومن المتوقع أن يبحث برلمان الشرق (طبرق) بقيادة عقيلة صالح عن رد على تصريحات قيس سعيد ويصدر بيانا، وهو ما أشار إليه رئيس لجنة الطاقة بالبرلمان عيسى العريبي بالقول، إنّ النواب بالمجلس يدرسون صيغة لردّ رسمي على تصريحات رئيس الجمهورية قيس سعيّد بشأن حقل البوري النفطي والجرف القاري.
وأكّد العريبي أمس في تصريحات إعلامية، “عدم القبول أو السماح بالمساس بثروات ليبيا التي تعتبر ملكا للشعب الليبي تحت أيّ ظروف أو مبرّرات”.
والخميس الماضي، صرّح سعيّد -خلال زيارته الشركة الوطنية للأنشطة البترولية- بأنّ تونس لم تحصل من حقل البوري إلّا على الفتات القليل، مطالبًا بمقاسمة الحقل مناصفة بين ليبيا وتونس، مشيرا إلى أنّ الحقل قادر على تأمين حاجيات تونس من النفط، وفق قوله.
وأضاف سعيّد، وفق ما أظهره مقطع فيديو نشرته الرئاسة التونسية: “كانت النية تتجه إلى قسمة هذا الحقل إلى نصفين بين تونس وليبيا، ما من شأنه أن يؤمن كل حاجيات تونس وأكثر”، مشيرًا إلى أن قسمة الحقل كانت مقترحًا من وزير الخارجية الليبي، مستدركًا أنه “بعد 12 جانفي 1974، وهو تاريخ إعلان الوحدة بين تونس وليبيا التي لم تدم طويلًا، تم رفض مقترح تقاسم الحقل وساءت العلاقات بين البلدين”،حسب قوله.
ويقع حقل البوري في البحر المتوسط على بعد 120 كم شمال الساحل الليبي، وينتج نحو 23 ألف برميل نفط يوميا، وتديره شركة “مليتة” للنفط والغاز بالاشتراك مع شركة “إيني” الإيطالية، واكتُشف عام 1976، وبدأ إنتاجه في 1988.
أزمة الجرف القاري
خاضت تونس وليبيا صراعا قضائيا أمام المحكمة الدولية بلاهاي بين 1978 و1982، بشأن رواسب صخرية متعددة المعادن تضم كميات هائلة من البترول والغاز والثروات السمكية والمعدنية.
وورثت تونس وليبيا عن الاستعمارين الفرنسي والإيطالي خلافا حادا بشأن الحدود البحرية وصل إلى حد الصدام العسكري أحيانا عرض البحر بين القطع البحرية للبلدين.
ورغم التصعيد من الجانب التونسي، إلا أن القذافي رفض بشدة الالتجاء إلى المحاكم الدولية متمسكا بالاستغلال المشترك للجرف القاري، قبل أن يرضخ أخيرا لضغوط قرطاج.
واختارت اللجنة التونسية أن تستند إلى التاريخ والجيومورفولوجيا (علم تشكل الأرض)، ودراسة التضاريس وأسباب نشأتها وتطورها عبر الزمن، والحقوق التونسية في صيد الإسفنج، فيما اعتمدت الجماهيرية الليبية على الجيولوجيا وتحرك الطبقات الأرضية.
وفي 24 فيفري 1982، أصدرت محكمة لاهاي قرارا نهائيا ورسميا يؤكد السيادة الكاملة لليبيا على الجرف القاري، دون إعطاء أي نصيب لتونس.
وعلى إثر هذا الحدث علّقت صحيفة “لوموند” الفرنسية، في عددها الصادر في 25 فيفري 1982، بالقول إنه “لا ينازع أحد في أن وزن النفط الليبي أثقل من الإسفنجات التونسية”.
واتهمت اللجنة التونسية آنذاك قضاة محكمة العدل الدولية في لاهاي بالانحياز، قائلة إنهم “تابعون لبلدان لها مصالح استراتيجية وسياسية واقتصادية في ليبيا، لكننا في تونس احترمنا العرف الدولي”.
ولاحقا، تقدمت تونس إلى محكمة العدل الدولية بلاهاي بطلب إعادة النظر في الحكم قصد تعديله، لكن وبتاريخ 10 ديسمبر 1985، صدر حكم يقضي برفض الدعوى القضائية وتقبلت تونس الحكم للمرة الثانية.
فريق الدفاع التونسي
تؤكد التقارير أن الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي اقترح آنذاك على تونس اقتسام ثروات الجرف القاري، إلا أن الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة رفض ذلك، واقترحت عليه مجموعة من أساتذة القانون، رفع قضية أمام المحكمة الدولية بلاهاي، وهو ما تم بالفعل عام 1978.
وضم الفريق التونسي الذي قاد لجنة الدفاع أمام محكمة لاهاي، كلا من؛
العميد الصادق بلعيد
الأستاذ عياض بن عاشور
الأستاذ سليم بنغازي
الحبيب الأزرق
الدبلوماسي نجيب البوزيري
الأستاذ جورج أبو صعب (مصر)
رجل القانون الفرنسي رينيه دوبوي (مولود في تونس)
الفرنسي بيير ماري دوبوي
السير روبرت يودال جينينغز مستشار ملكة بريطانيا (قاض بمحكمة العدل)
كارلو موريللي
روبرت لافيت أستاذ الجيولوجيا الفرنسي