لم يكن اعلان استقالة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مساء الثلاثاء نتيجة الضغوطات الشعبية والمليونيات الجماهرية التي عمت مدن الجزائر طوال أكثر من 6 أسابيع فحسب على الرغم من الدور الهام الذي كرسته هذه التحركات السلمية التي التف حولها الجزائريون من مختلف المشارب والاتجاهاتفي اسقاط مشروع العهدة الخامسة.
رسالة بوتفليقة للمجلس الدستوري كانت مسبوقة بحالة شد وجذب بين بعض اللوبيات داخل المنظومة الحاكمة والمؤسسة العسكرية التي انحازت قيادتها للإرادة الشعبية وطالبت بتفعيل الفصل 102 من الدستور الجزائري كحل سياسي وتشريعي يحفظ اعتبار بوتفليقة ويستجيب لمطالب المتظاهرين ومختلف القوى الوطنية الذين اجمعوا على رفض مبادرة بوتفليقة بتأجيل الانتخابات وإطلاقخارطة طريق إصلاحات سياسية بالبلاد.
الساعات الأخيرة بالساحة الجزائرية كانت حافلة بالتطورات والاحداث المتسارعة التي تؤكد بحسب ما نقلته معطيات وتسريبات إعلامية نجاح المؤسسة العسكرية في اجهاض مخطط “للانقلاب على الشرعية الدستورية” وافشال مبادرة تفعيل الفصل 102 من الدستور من طرف عدد من مراكز القوى بالسلطة يتقدمها السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري والفريق محمد مدين المعروف “بالجنرال توفيق” القائد السابق لجهاز المخابرات الجزائرية.
ويعرف “الجنرال توفيق” لدى الشارع الجزائري بمصطلح “رب الدزاير” وهي عبارة تختزل نفوذه الواسع داخل المنظومة الامنية ويده الطولى التي ادارت جهاز المخابرات طوال أكثر من 25 سنة ما بواه موقعا هاما ضمن أبرز رجالات السلطة قبل ان يقع عزله في السنوات الماضية واحالته على التقاعد من طرف الرئيس بوتفليقة ضمن حملة تطهير مست عددا من كبارات جنرالات المؤسسة العسكرية وقيادات الأجهزة الأمنية في محاولة للحد من صراع مراكز القوى داخل السلطة.
مسار الحراك الجماهيري المتصاعد الذي تعزز بإعلان موقف الجنرال قايد صالح وضع اللوبيات المتنفذة داخل سلطة القرار وجهاز الحكم بالجزائر في دائرة الخطر وهو ما بدأت ملامحه في التجسد عبر سلسلة الايقافات والمنع من السفر وتشديد الرقابة على المعابر الحدودية والموانئ الجوية والبحرية التي نفذتها الهيئات القضائية ضد عدد من أبرز رجال الاعمال المحسوبين على النظام والذين كانوا يشكلون اللوبي المالي المسيطر على الاقتصاد الجزائري والمساهم في استشراء دائرة الفساد والاختلاسات بالسنوات الأخيرة.
ويبدوا ان إيقاف علي حداد رئيس منتدى رؤساء المؤسسات خلال محاولته الفرار الى تونس فضلا عن رجل الاعمال محي الدين طحكوت والملياردير إبراهيم بودية ووضع الاخوة طارق ورضا كونيكاف قيد التحجير من السفر قد أطلق بوادر سقوط اللوبي المتنفذ داخل مؤسسة السلطة ومراكز القوى السياسية والامنية التابعة لها والتي يقودها شقيق الرئيس ومستشاره السياسي السعيد بوتفليقة الى جانب اللواء بشير طرطاق مسؤول مديرية المصالح الأمنية بوزارة الداخلية ما دفع السعيد بوتفليقة الى اعداد “مخطط للانقلاب” على المشهد بدعم واسناد استخباراتي فرنسي مباشر وصياغة ترتيبات تضمن له ولبقية مكونات مراكز القوى الحالية بقائها وتحكمها في السلطة حتى بعد رحيل الرئيس.
دور استخباراتي فرنسي
ملامح الخطة التي كشفت عنها تسريبات إعلامية جزائرية كانت تتلخص في اقناع الرئيس الجزائري الأسبق اليمين زروال بتولي منصب رئيس الجمهورية لمرحلة انتقالية سيقع العمل على اطالتها وتمديدها عبر افتعال الازمات السياسية والقلاقل الأمنية لمدة لا تقل عن سنتين.
بنود المخطط كانت تهدف للتخلص من قيادات المؤسسة العسكرية وعلى راسها الجنرال احمد قايد صالح والدائرة المحيطة به من كبار الضباط المعروفين بانضباطهم وولائهم حتى تتمكن المجموعة الانقلابية من تنفيذ مخططها للالتفاف على مطالبالمتظاهرين والجيش الجزائري بتطبيق المادة 102 من الدستور القاضي بأثبات شغور منصب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس مجلس النواب عبد القادر بن صالح بخلافته.
وبحسب التفاصيل فان المشروع الانقلابي كان يعتمد على اصدار مراسيم مزعومة موقعة من الرئيس بوتفليقة بإقالة قايد صالح وعدد من كبار القيادات العسكرية الى جانب حل مجلس النواب بغرفتيه التشريعيتين قبل اعلان استقالة بوتفليقة من اجل احداث حالة من الفراغ الدستوري المفاجئة التي تدخل الشارع والمشهد في حالة من الارباك والتوجس.
حالة الفراغ السياسي والدستوري وما سيعقبها من مخاوف الفوضى سيتم توظيفها للتسويق لتعبئة شعبية وحملات إعلامية معدة سلفا للمناداة بتولية اليمين زروال منصب الرئاسة وهو ما كان يتطلب اقناع الاخير بالقيام هذا الدور ما دفع السعيد بوتفليقة للاستعانة بالجنرال توفيق وفق توصيات الجهات الفرنسية للتواصل مع زروال.
وتؤكد المشاركة الفرنسية المباشرة في بنود المخطط تورط باريس في محاولة زعزعة الأوضاع والتآمر على المسار الدستوري في الجزائر وادخالها دوامة من الفوضى وعدم الاستقرار فضلا عن زرع عناصر موالية لها داخل السلطة وعلى راسهم الجنرال توفيق الذي مارست المخابرات الفرنسية ضغوطات كبيرة لإشراكه في المخطط تمهيدا لإعادته للمشهد في المرحلة المقبلة عبر تعيينه مستشارا امنيا لليمين زروال إثر توليه منصب الرئاسة.
عملية الأعداد للمخطط التي انطلقت باجتماع انعقد يوم 30 مارس الماضيضم السعيد بوتفليقة واللواء بشير طرطاق والجنرال توفيق بحضور عناصر من المخابرات الفرنسية وقع رصدها من طرف المؤسسة العسكرية خاصة ان اللقاء جاء مباشرة اثر مقترح الجنرال قايد صالح الأول بتفعيل المادة 102 من الدستور مما مكن قيادة الجيش من التعرف عن كثب على ملامح المشروع الانقلابي وكشفه وما هو ما يفسر البيان الذي أصدره الجيش الجزائري والذي حذر فيه من “أن بعض الأطراف ذوي النوايا السيئة تعمل على إعداد مخطط يهدف إلى ضرب مصداقية الجيش الوطني الشعبي والالتفاف على المطالب المشروعة للشعب”.
رسالة القيادة العسكرية التي وجهت تحذيرا مباشرا الى الرؤوس المدبرة للمخطط الانقلابي تكاملت مع موقف الرئيس الجزائري السابق اليمين زروال الذي عبر عن رفضه المطلق للمشاركة في هذا المخطط و”عرقلة مطالب الشعب الجزائري” كما أوضح في رسالةنشرها رفعا للالتباس ما أسهم في احباط المخطط.
واوضح زروال في رسالته لقائه بالجنرال توفيق والعرض المقدم له حيث أكد”بداعي الشفافية وواجب احترام الحقيقة أود أن أعلم أنني استقبلت يوم 30 مارس بطلب منه الفريق المتقاعد محمد مدين الذي حمل لي اقتراحا لرئاسة هيئة مكلفة بتسيير المرحلة الانتقالية وأكد لي أن الاقتراح تم بالاتفاق مع السعيد بوتفليقةالمستشار لدى الرئاسة”.
وأضاف زروال الذي قابل العرض بالرفض “عبرت لمحدثي عن ثقتي الكاملة في الملايين من المتظاهرين وكذا ضرورة عدم عرقلة مسيرة الشعب الذي استعاد السيطرة على مصيره”.
وبحسب ما ذكرته مصادر إعلامية جزائرية فان قيادة الجيش الجزائري كانت على علم بقرار الاجتماع بالاتصال باليمين زروال وتقديم عرض ترؤسه للبلاد في المرحلة الانتقالية وكان بإمكانها اجهاض المخطط عند تلك المرحلة الا انها فضلت ترك المجموعة تواصل تحركها حتى حصول اللقاء بين زروال والجنرال توفيق لتوثيق “المؤامرة” بشهادة رجل بعيد عن الشبهة بحجم اليمين زروال الذي رفض الاقتراح.
وربما تكون مؤسسة الجيش كانت على قناعة أن الرئيس الأسبق، بما يعرف عنه من وطنية، وحرصه على أمن واستقرار البلد، لم يكن ليجاري الجماعة في هذا التدبير.
رهانات جمعة الحسم
وبحسب ما نشرته صحف جزائرية فان المخطط الزمني لتنفيذ المخطط كانت يفترض البدء به يوم الجمعة الماضي 31 مارس خلال الجمعة السادسة للمسيرات الجماهيرية المليونية والتي أطلق عليها الناشطون الجزائريون جمعة الحسم.
تنفيذ المخطط كان يسبقه إصدار المراسيم الرئاسية القاضية بإقالة الجنرال قايد صالح من رئاسة اركان الجيش مساء الخميس على ان يتم توجيه مسيرات حاشدة تم اعدادها مسبقا يوم الجمعة نحو وزارة الدفاع كمحاولة للضغط واجبار الجيش على تنفيذ قرار عزلقايد صالحيتم بعدها احتضان المسيرة للسيد اليمين زروال ورفعه على الأكتاف.
لكن الخطة التي تمهد لعودة زروال الى الصورة سرعان ما افتضحت تفاصيلها كذلك نتيجة ما شابها من تسرع في تحضير التسويق للرئيس السابق بدا بتنظيم تجمع شعبي مفاجئ وغير معلن حول منزله بمنطقة باتنة قبل الاعلان يوم الأربعاء الماضي عن تحوله إلى الجزائر العاصمة بالتزامن انطلاق حملة مكثفة على وسائل التواصل الاجتماعي تهاجم مقترح مؤسسة الجيش بشأن تفعيل المادة 102 وتعد المواطنين باستجابة اليمين زروال لطلبات الشارع بتولي الرئاسة.