المنصف المرزوقي: النهضة «باعت» الثورة وتحالفت مع من هبّ ودبّ من الفاسدين الهاربين من العدالة!
المنصف المرزوقي: النهضة «باعت» الثورة وتحالفت مع من هبّ ودبّ من الفاسدين الهاربين من العدالة!
اتهم الرئيس السابق المنصف المرزوقي حركة «النهضة» بــ«بيع الثورة» والتحالف مع الثورة المضادة، وقال المرزوقي في نص نشره على صفحته في موقع فيسبوك وعنوّنه بأنه «شهادة للتاريخ» في الذكرى العاشرة لثورة 17 ديسمبر ـ 14 جانفي.
حيث كتب المنصف المرزوقي يقول:
أنني أعترف وأعتذر عن عدم نجاحي في إبقاء قطار الثورة على السكة.
حقّا جزء من التقصير كان نتيجة سوء اختيار بعض مساعديّ وضعف مواجهة القصف الإعلامي واتخاذ بعض القرارات غير الموفقة . لأؤكّد هنا بمنتهى الوضوح أنني خلافا للأكاذيب الحقيرة لم أسفّر شبابنا لسوريا بل أنا من منعته، ولم أسلم البغدادي المحمودي ومن سلمه هو رئيس الحكومة حمادي الجبالي. أما قطع العلاقات الدبلوماسية مع سفاح دمشق فمساهمتي المتواضعة في دعم ثورة أهلنا في سوريا وهو أشرف وأحسن قرار اتخذته لم ولن أندم عليه يوما رغم تكلفته الانتخابية الباهظة.
إن جلّ نصيبي من المسؤولية نتيجة خطأين أساسيين:
تمثل الأول في سوء تقدير شراسة الثورة المضادة وحقارة أساليبها والدور المدمّر للإعلام الفاسد وعدم التصدي بالحزم الذي يحبّون لأناس يخافون ولا يستحون.
الخطأ الثاني رهان خاسر على التحالف مع حركة النهضة، هذا التحالف الذي فرضته نتائج انتخابات 2011 والذي لم يكن بالإمكان عبور المرحلة الانتقالية الخطيرة بسلام بدونه.
وواصل المرزوقي بالقول: وإن دعوت ولا أزال لتجاوز الخلافات العقيمة بين العلمانيين والإسلاميين لنتجمّع كلنا حول قيم حقوق الإنسان وآليات ومؤسسات الديمقراطية، وإن كنت ولا أزال مقتنعا بأنه من حق الإسلاميين أن يحكموا إن جاءت بهم الانتخابات الحرة، أن أكثرية حركة النهضة ناصرت الثورة وأهدافها ولا تزال، أنه لا حقّ لاحد ولا مصلحة للبلاد في اقصاء -فما بالك باستئصال- جزء ثابت ومكون من الشعب…. فإنني أشهد للتاريخ، عن تجربة مباشرة وبعيدا عن التحامل وتصفية الحسابات، أن قيادة النهضة كانت السبب الرئيسي في إجهاض ثورة ديمقراطية أعطتها السلطة على طبق من فضة، فأرجعتها على طبق من ذهب للثورة المضادة عدوة الديمقراطية.
لقد تمّ ذلك عبر خيارات فاجأت كل الذين قبلوا عن وطنية صادقة وبحثا عن تصالح شقي المجتمع العمل مع الإسلاميين وتمثلت هذه الخيارات التي أجهضت الثورة أساسا في:
1-التصدي لقانون تحصين الثورة والقبول بالمصالحة دون المحاسبة والدعوة في الدور الثاني في رئاسية 2014 للتصويت ضدي أنا الحليف المفترض مرشح الثورة لصالح قائد ومرشح الثورة المضادة علما وأن رئيس النهضة أخفى عني وعن كل التونسيين فحوى الصفقة التي عقدها معه في باريس صيف 2013.
2-التحالف المتواصل مع كل من هبّ ودبّ من الفاسدين الهاربين اليوم وغدا من العدالة، المتجاسرين على اسم تونس يلصقونه انتهازية ونفاقا باسم شركاتهم السياسية المسماة أحزابا.
وأضاف المرزوقي: يبقى أن السردية المنمقة والمضللة التي تحاول قيادة النهضة تسويقها أعجز من أن تقلب الحقائق طويلا. فسياسة ”التوافق ” مع الثورة المضادة لم تكن أبدا حرصا على الثورة وخوفا على تونس من انقلاب أو حرب أهلية -لم توجد أبدا أي من شروطها الموضوعية كما كان الأمر في مصر وسوريا وليبيا واليمن-وإنما كانت استسلاما مشينا لهذه الثورة المضادة حرصا على الحزب وخوفا من مصير الإخوان المسلمين والرئيس الشهيد محمد مرسي في مصر ما بعد الانقلاب المشئوم صيف 2013.
الأخطر هذا أن دسم كلمات الاعتدال والتسامح والمصالحة تستّر على سمّ زعاف تسلّل للعقول والقلوب متمثلا في انتشار القناعة بأن الإفلات من العقاب أصبح حقّا مكتسبا خاصة بعد رؤية عرقلة العدالة الانتقالية ورفض تطبيق توصيات تقرير هيئة الحقيقة والكرامة. هكذا استبطن الناس بما أن الجريمة لم تعد تواجه بالقانون وأن ثمن الاستقرار المزعوم ” كل شيء للمجرمين لا شيء للضحايا”، فليصبح خرق القانون القاعدة لا الاستثناء. هكذا تغلغل الفساد بكيفية لم يشهدها الاستبداد مهددا تماسك الدولة والمجتمع.
بجانب مسؤولية الإسلاميين، هناك مسئولية يسار أفلس سياسيا وأخلاقيا عندما آثر في مصر الارتماء في أحضان الانقلاب مساهما فيه ومدافعا عنه وعندما نادى في تونس بدافع من نفس الحقد الإيدولوجي لقطع الطريق عليّ في رئاسيات 2014 والتصويت لوزير داخلية بورقيبة السابق ورئيس برلمان بن علي . كم مضحك مبكي أن اليساريين صوتوا ضدي كحليف للإسلاميين والحال أن من صوتوا له كان هو الحليف المستتر والحقيقي للنهضة بعد الصفقة التي تمت في باريس بينهما صيف 2013.
إلا أن سقطة اليساريين لا تقارن بسقطة القوميين الذين أدّى بهم تحجّر الفكر وتصفّح القلب إلى تبرير جرائم أفظع نظام استبدادي عربي ضد الشعب السوري المنتفض من أجل الحقوق والحريات التي ينعمون بها في تونس كأنّ الفساد يصبح مقبولا طالما هو فساد ”ممانع” والتعذيب معذورا طالما هو تعذيب ”تقدمي” والتوريث لا عيب فيه إذا كان توريثا ”مناهضا” للصهيونية والامبريالية والتسليم في الاستقلال ”وطنية” طالما كان لروسيا وإيران وليس لأمريكا وإسرائيل.
لا يجب أن نعفي الثوريين أنفسهم من مسؤوليتهم في الكارثة وقد توزعوا في كل أقطارنا في دكاكين سياسية لا سبب لتناحرها وتفويت الفرص على بعضها البعض تجاه العدو المشترك إلا الزعاماتية.
وأضاف الرئيس السابق بالقول: يبقى أكبر قسط من المسؤولية لمن يحقّ تسميتهم ”المجرمون مرتين” أي نخب الاستبداد التي أجرمت مرة أولى بدفعها الشباب للتمرد نتيجة سياسات الفساد والظلم والقمع وأجرمت مرة ثانية بالتصدي بكل الوسائل الخسيسة أو الدموية لثورة سلمية ديمقراطية سعت للإصلاح والمصالحة وليس للانتقام.
هكذا عبر أخطاء البعض والسقطات الأخلاقية والخيانات الموصوفة للبعض الآخر، أمكن للثورة المضادة مدعومة بالوكيل الإماراتي -مخلب قط إسرائيل المهتمة بتواصل الخراب العربي لتصفية القضية الفلسطينية -تدمير الثورة في مصر بالانقلاب وفي ليبيا واليمن بالحرب الأهلية وفي تونس بديمقراطية اختطفها الفاسدون. هكذا أمكن لسفاح دمشق التنكيل بالشعب السوري وتهجير نصفه ووضع دولته تحت الوصاية المباشرة للوصاية المشتركة الإيرانية-الروسية.
والخلاصة أن الكارثة التي نعيش عشر سنوات بعد انطلاق الربيع العربي هي فشلنا جميعا ديمقراطيين وإسلاميين ويساريين وقوميين وفلول أنظمة لم تتعلم شيئا من دروس التاريخ. لذلك لا جدوى لرمي هذا الفشل في رؤوس بعضنا البعض والتنصل كل من مسؤوليته وإنما الموضوع كيف نعيد قطار الثورة على السكة التي خرج منها في 2013 وعلى أي أسس نواصل ثورات جريحة لكنها أكثر نضجا؟