القاضي ووزير العدل سابقا عمر منصور يوجه رسالة لقيس سعيد ..
هذا ما كتبه السيد القاضي ووزير العدل سابقا عمر منصور
_______________________
الرجاء …. لا تشيطنوا قيس
كنا منذ أيام منكبين جميعا على مجريات الإنتخابات الرئاسية السابقة لأوانها … و مساء يوم الأحد تبينت النتائج الأولية فافرزت صعود قيس سعيد للمرتبة الأولى و يليه نبيل القروي… و حينئذ و فجأة توقفت عقارب الساعة و عم الذهول فئات عديدة من المجتمع التونسي… و توقف الحوار الشديد الذي كان يدور حول برامج الرئيس و الديبلوماسية الإقتصادية و الإرهاب و الميراث، و معضلة الأمن القومي…. و انصبت كل الاهتمامات على شخصية قيس سعيد، فأدلى كل بدلوه و شرع … هذا يهز من الجابية و الآخر يحط في الخابية … و نسب البعض قيس إلى هذا أو ذاك تيارا و فكرا أو إلى هذه المجموعة أو تلك… كل ذلك تحت وطأة صمت قيس.
سألني عنه العديد من الحائرين في أمره لعلمهم بصداقتي المتينة معه منذ سنوات الدراسة فأجبت بما أعرفه بصدق و بدون محاباة.
توجهاتنا و ميولاتنا السياسية تبدأ عادة من الجامعة و الكلية و خاصة كلية الحقوق التي عرفت فيها وجوها عديدة من اليمين و اليسار و التي تتواجد اليوم على الساحة السياسية و الذين كانت حلقاتهم و حواراتهم لا تنتهي و لا تخلو منها ساحة الكلية .
و في حلقات تلك الصراعات السياسية و الإيديولوجية… لم يكن قيس موجودا و لم يكن من الطلبة المهتمين بالموضوع أو المحسوبين على هذا أو ذاك من التيارات . لم يكن قيس كذلك من نشطاء حلقات البولوت Belotte أو “الشكبة” بمقهى الجامعة و لا من حلقات اللهو و الزهو المتناثرة في أرجاء الكلية.كان ملازما للمكتبة و قاعة المراجعة مع استراحات قصيرة يتخللها كوب من الشاي مع حوار حول هذه الإشكالية القانونية أو تلك .
عرفت قيس هادئا جدا خافت الصوت رصينا، خجولا في مواقع الخجل، متأدبا، لا يشاكس ولا يعاكس، متواضع، حدو حد روحو، لا يحط من قيمة أحد و لا يقبل الحط من قيمته، أصدقاءه قلة و لكن لا خصوم له، مواقفه كانت رصينة و لم تتضمن أبدا حقدا و لا شماتة و لا عداوة و لا حسابات خبيثة، تطغى عليه الإنسانية، يحمل هموم الفقير و المحروم و البائس و المظلوم، و هي هموم كنا نشترك في حملها لأننا خلقنا في الحومة الشعبية و عانينا مما يعانيه هؤلاء، و كان أملنا أن نتعلم لنكبر و نغير.
في السنوات و الأشهر الأخيرة و لما كنت أتصل بقيس هاتفيا كنت أجده في أغلب الأوقات بصدد قضاء حاجة مواطن… البحث عن سرير في المستشفى أو تسجيل تلميذ في المدرسة، أو حل مشكلة إدارية مستعصية… كل ذلك كان يقضيه في صمت بدون تبجح و لا خيلاء.
فقيس سعيد عرفته تونسيا عاديا يحمل المواصفات التونسية في كل ما يتعلق بشؤونه و حياته اليومية، لم أعرفه يوما تصرف أو فكر بتطرف أو غلو، صحيح أنه كان رافضا للمنظومات المجتمعية التي مررنا بها لما تميزت به من طبقية و عنجهية و ظلم و محسوبية التي عشناها في طفولتنا، لكنه لم ينحرف أبدا إلى منطق الحقد أو الغيظ أو الإقصاء أو القطع أو البتر… و كنا نطمح معا لمجتمع مثقف آمن مسالم عادل منظم لا تمييز فيه و لا قهر.
أنا لا أدافع في كل ما قلته عن قيس و لا أسعى للرفع من حظوظه، فحظوظ الشخص يصنعها تاريخه و أفعاله و سيرته، كما سبق أن قلت كلمة حق في غيره من المترشحين حين طرح مشروع تنقيح القانون الإنتخابي فأكدت في صفحتي يوم 21 جوان 2019 أن ذلك المشروع لم يكن يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة بقدر ما أنه يخدم مصالح خاصة هدفها إقصاء البعض من المترشحين، و هو أمر مرفوض و لا يخدم المسار الديمقراطي الذي انخرطنا فيه.
عمر منصور