زيادة الأجور تثير جدلًا…voir plus
وأوضح اللاحقة أنّ الفصل 15 لا يمكن تطبيقه بشكل منفرد لأن الزيادة في الأجور، وبحسب القوانين الجاري بها العمل، تندرج ضمن آليات التفاوض الجماعي بين الحكومة والمنظمة الشغيلة. وبالتالي فإن اتخاذ قرار أحادي الجانب يخالف الأعراف والاتفاقيات المُمأسسة منذ عقود، والتي جعلت الحوار الاجتماعي الركيزة الأساسية لضبط السياسات الاجتماعية في تونس.
وأضاف أنّ الحكومة تسعى من خلال هذا الإجراء إلى توجيه رسالة سياسية أكثر منها اقتصادية، إذ إن الإعلان عن زيادات دون مفاوضات يعتبر، وفق تصريحه، محاولة لإقصاء الاتحاد العام التونسي للشغل من دوره الطبيعي في الدفاع عن حقوق العاملين وإظهار السلطة التنفيذية كما لو أنها الطرف الوحيد القادر على تقرير مستقبل الأجور.
زيادة بـ3% فقط: هل تكفي لمواجهة الغلاء
بحسب تقديرات الخبير، فإن الزيادات المقترحة لن تتجاوز 3% في أفضل السيناريوهات، وهو ما يعادل حوالي 60 دينارًا فقط بالنسبة لأغلب العمال والأجراء. ويؤكد اللاحقة أنّ هذه الزيادة لا يمكن أن تعوّض بأي شكل من الأشكال التدهور المهول في القدرة الشرائية الذي سجّلته الأسر التونسية خلال السنوات الأخيرة. وقد بلغ هذا التدهور، وفق بيانات قسم الدراسات، أكثر من 23% منذ سنة 2022، نتيجة الارتفاع المتواصل لأسعار المواد الأساسية والخدمات وفواتير الطاقة والنقل.
وتشير المؤشرات الاقتصادية إلى أن كلفة المعيشة ارتفعت بوتيرة غير مسبوقة، في ظلّ تزايد أسعار المواد الغذائية الأساسية، وتواصل تراجع قيمة الدينار، وارتفاع نسب التضخم. كل هذه العوامل ساهمت في الحدّ من قدرة التونسي على تغطية حاجياته اليومية، وهو ما يجعل الزيادة المقترحة محدودة التأثير ومجرد إجراء رمزي لا يرتقي إلى مستوى الأزمة.
البعد السياسي للمسألة
يعتبر العديد من المتابعين أنّ الفصل 15 يحمل رسائل سياسية متعددة. فمن جهة أولى، ترى الحكومة أنّ الإعلان عن زيادة الأجور – ولو رمزية – يُساهم في تهدئة الأجواء الاجتماعية خلال فترة إعداد قانون المالية، خاصة في ظل التوترات التي تشهدها عدة قطاعات وأصوات الاحتجاج المتصاعدة. ومن جهة ثانية، يرى خبراء أنّ هذا القرار يندرج ضمن محاولة السلطة التنفيذية تقديم نفسها كفاعل مباشر في تحسين الأوضاع، دون اعتماد آليات تتطلب مفاوضات طويلة ومعقدة.
ويرى الخبير الاقتصادي عبد الرحمان اللاحقة أن استبعاد الاتحاد من المشهد يعتبر خطوة غير مسبوقة في علاقة الحكومة بالمنظمة الشغيلة، وقد يفتح الباب أمام أزمة اجتماعية جديدة، خصوصًا أن الاتحاد يعتبر الشريك الأساسي في تحديد مستويات الأجور وسياسات الدعم وآليات تحسين القدرة الشرائية.
هل تحل الزيادة الرمزية أزمة الأجور
وفق البيانات الرسمية، فإن كتلة الأجور في تونس تبلغ أكثر من 17% من الناتج المحلي الإجمالي وهي من بين الأعلى في المنطقة العربية، وهو ما دفع الحكومة في السنوات الأخيرة إلى محاولة تجميد أي زيادات كبرى في الرواتب. غير أن الاتحاد يؤكد أن النقاش يجب أن يرتكز على القدرة الشرائية وليس على الأرقام المجردة، معتبرًا أن أي سياسة مالية لا تضمن حماية الحد الأدنى من العيش الكريم ستظل غير فعّالة مهما كانت المؤشرات التي تستند إليها الدولة.
ويشير اللاحقة إلى أن العامل التونسي يعيش اليوم وضعًا استثنائيًا، حيث تآكلت الأجور بشكل كبير، في حين ارتفعت الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وزادت أسعار المواد الأساسية. ولذلك فإن الزيادة بنحو 60 دينارًا لن يكون لها أي تأثير فعلي على تدارك هذا الانهيار، بل ستبدو كما وصفها المتابعون “زيادة حسابية بلا أثر واقعي”.
انعكاسات اقتصادية أوسع
من زاوية الاقتصاد الكلي، يرى خبراء أن أي زيادة في الأجور – حتى وإن كانت ضعيفة – يجب أن تكون مرتبطة ببرنامج إصلاح اقتصادي واضح، يضمن خلق النمو وتحسين الإنتاجية وتحفيز الاستثمار. أما زيادة من دون مفاوضات ودون خطة متكاملة، فقد تتحول إلى رسالة سياسية ظرفية لا تمتلك أي أثر اقتصادي جوهري.
كما يؤكد عدد من المختصين أن تقليص الحوار الاجتماعي أو تهميشه قد يخلق حالة من عدم اليقين في السوق، ويؤثر على ثقة المستثمرين وعلى التوازنات التي بُنيت خلال السنوات الماضية بين الحكومة والمنظمات الوطنية.
الخلاصة
يبدو أن الفصل 15 من مشروع قانون المالية فتح بابًا واسعًا للنقاش حول صلاحيات الحكومة، ودور الحوار الاجتماعي، ومستقبل القدرة الشرائية للمواطن. وبينما ترى الحكومة أن هدفها هو دعم الأجور تدريجيًا، يعتبر الاتحاد أنّ الإجراء غير قانوني ويحمل خلفية سياسية واضحة، وأن الزيادة المقترحة – مهما كان حجمها – لن تكون كافية لإصلاح الضرر الذي لحق بمستوى عيش التونسي خلال السنوات الأخيرة.
وفي انتظار ما ستؤول إليه النقاشات داخل البرلمان وبين الأطراف الاجتماعية، تظلّ القدرة الشرائية للتونسي هي العنوان الأبرز في كل هذا الجدل، بينما تبقى الحلول الحقيقية رهينة إصلاحات اقتصادية شاملة وحوار اجتماعي فعلي يضمن التوازن بين الدولة والطبقة العاملة.
للمزيد من المتابعة الدقيقة يمكن زيارة موقعنا
tunimedia.tn/ar
