الدينار التونسي يسجل مستويات غير مسبوقة أمام الأورو والدولار

الدينار التونسي بين ضغط الأورو وثبات الدولار: قراءة اقتصادية شاملة وانعكاسات على السوق

ما الذي يحدث في سوق الصرف؟
تشير المعطيات المتاحة إلى تداول الأورو حول 3.425 دينار، وهو مستوى مرتفع تاريخيًا لكنه ليس الذروة المطلقة،
فيما يستقر الدولار قرابة 2.910 دينار. هذه الحركة نتاج تفاعل
عوامل خارجية أهمها مسار الفوائد لدى الاحتياطي الفدرالي الأمريكي
والبنك المركزي الأوروبي، وعوامل داخلية تتعلق بتوازن الميزان التجاري،
وتوقيت توريدات الطاقة والمواد الأساسية، والسيولة بالعملة الصعبة.
خفض المركزي الأوروبي للفائدة بـ 25 نقطة أساس ترافق مع توقعات حذرة للنمو في منطقة اليورو،
بينما لا يزال الفدرالي الأمريكي يميل إلى تشديد مالي نسبي مقارنة بأوروبا.
النتيجة: اتساع تذبذب زوج الأورو/الدولار عالميًا، وانعكاسه محليًا عبر تسعير الواردات والصادرات.
القناة التجارية: أين يكمن الأثر المباشر على تونس؟
الاقتصاد التونسي مرتبط تجاريًا وماليًا بالأورو بدرجة كبيرة؛ قرابة نصف المعاملات الجارية تُسعّر بالعملة الأوروبية،
كما أن نحو 78% من الصادرات تُحتسب بالأورو. ارتفاع الأورو أمام الدينار
يرفع القيمة الاسمية لعائدات المصدرين عند تحويلها إلى دينار، وهو أثر داعم للميزانيات قصيرة المدى،
خاصة في قطاعات النسيج والمنتجات الفلاحية وبعض الصناعات الميكانيكية والكهربائية.
في المقابل، تُسعّر فاتورة الطاقة والمواد الأولية بالدولار في جزء واسع منها.
لذلك، حتى وإن حسّنت قوة الأورو مداخيل التصدير عند التحويل، فإن استقرار الدولار أو ارتفاعه
مقابل الدينار يبقي كلفة التزود من الخارج مرتفعة نسبيًا، ما قد يحدّ من صافي المكاسب.
الأثر على الأسعار والتضخم
عبر قناة الواردات، أي تراجع في قيمة الدينار أمام الدولار يُترجم إلى ضغوط سعرية على سلع الطاقة والنقل
وبعض المواد الغذائية المستوردة. أما أمام الأورو، فالأثر أكثر تعقيدًا:
ارتفاع الأورو قد يرفع أسعار السلع الأوروبية داخل السوق المحلية،
لكنه في الوقت نفسه يعزز عائدات التصدير ويحسّن ميزانيات الشركات المصدّرة، وهو ما قد ينعكس
إيجابًا على الاستثمار والأجور في الأجل المتوسط إذا استقرّت الظروف.
المالية العمومية والتمويل الخارجي
خدمة الدين الخارجي المقوم باليورو قد ترتفع اسميًا عند تحويلها إلى دينار،
في حين تظل خدمة الدين بالدولار رهينة مسار الدينار/الدولار وأسعار الفائدة الدولية.
تحسين شروط التمويل يتطلب استقرارًا نقديًا ومصداقية في الإصلاحات الهيكلية
بما يقلص علاوات المخاطر، ويعزز الاحتياطيات من العملة الصعبة.
سيناريوهات الأشهر القادمة
1) سيناريو الاستقرار النسبي
يتطلب هدوءًا في أسواق الفائدة العالمية، وتحسنًا تدريجيًا في ميزان المدفوعات،
مع تسارع مداخيل السياحة والخدمات وتدفقات الاستثمار. في هذا السيناريو يبقى الأورو مرتفعًا نسبيًا
لكن دون اختراقات قياسية جديدة، ويتحرك الدولار ضمن نطاق ضيق.
2) سيناريو الضغط الخارجي
إذا تشدد الفدرالي مجددًا أو ارتفع النفط عالميًا، قد تتزايد كلفة التوريد وتضغط على الدينار،
خصوصًا أمام الدولار، بما ينعكس على أسعار الوقود والنقل والمواد الغذائية.
3) سيناريو التحسن
تسارع نسق التصدير وتحسن السياحة، مع انفراج على مستوى تمويلات خارجية بشروط ميسّرة،
يمكن أن يدعما احتياطي العملة ويخففا تقلبات سعر الصرف.
ماذا تعني هذه المستويات للمؤسسات والأسر؟
للمؤسسات المصدّرة
- تعزيز التحوّط: إبرام عقود صرف مستقبلية عند توفرها لتثبيت هوامش الربح.
- تنويع الأسواق: تخفيف الاعتماد على منطقة واحدة وتقليل مخاطر العملة.
- تسعير مرن: مراجعة شروط السداد وفترات الفوترة وفق تقلبات الأورو والدولار.
للمؤسسات المستوردة
- إدارة مخزون ذكية للمواد الأساسية الحساسة لسعر الصرف والنفط.
- التفاوض على عقود طويلة الأجل مع بنود تحوط قدر الإمكان.
- تحسين الكفاءة الطاقية لخفض حساسية التكلفة لتقلبات الدولار والنفط.
للأسر
- الانتباه لأسعار الوقود والنقل والسلع المستوردة خلال الأسابيع القادمة.
- ترشيد الاستهلاك وتجنب الشراء الاندفاعي عند موجات الارتفاع المؤقت.
توصيات سياساتية مختصرة
- تعميق سوق التحوط لتمكين المؤسسات من إدارة مخاطر الصرف بسلاسة أكبر.
- توجيه ائتماني انتقائي للقطاعات المصدّرة عالية القيمة المضافة.
- تسريع الطاقات المتجددة وكفاءة الاستهلاك لتقليص تبعية فاتورة الطاقة للدولار.
- مراقبة مسالك التوزيع لمنع تضخم انتهازي لا تبرره الكلفة.
الأرقام الواردة (3.425 دينار/يورو و2.910 دينار/دولار) مستندة إلى بيانات منتصف سبتمبر 2025
وقد تتغير تبعًا لتعاملات السوق. يُنصح المتابعون بالاطلاع على نشرات البنك المركزي التونسي
ومتابعة قرارات البنك المركزي الأوروبي
والاحتياطي الفدرالي لآخر المستجدات.



