لماذا لم يصارحهم سعيّد بالحقيقة؟ّ!
كان يجدر بقيس سعيّد أن يبتعد عن التعميم المبهم والحمّال لعدّة أوجه وأن يصارح القوى التي تلهث خلفه لينفّذ لها انقلابا اعتقدوا أنّه يتقاطع أيضا مع مصالح الرئيس، لكن وككلّ مرّة خيّر سعيّد الغموض وأرخى لهم في الحبل وتركهم يسرحون في حقول الوهم، في حين كان يسعه أن يصارحهم بكامل الحقيقة التي تنكّبوها رغم أنّها أمامهم وليس أقرب منها.
ماذا عليه لو قال لهم أنّه لن يدخل في مغامرات كارثيّة مراهقة في الوقت الذي يعمل فيه على تدعيم أسهمه دوليّا عبر احتضان تونس القمّة 18 للفرنكوفونيّة، وأنّه يرغب في إنجاح القمّة وتقديم تونس كنموذج ديمقراطي للنسيج الفرنكفوني الذي سيتدفّق إلى تونس في العام المقبل، وأنّه لن يقتحم قمّة مثل هذه بانقلابات ومغامرات ولن يدمّر أجندته مقابل إرضاء بعض النزوات الانقلابيّة المجنونة، وان وحده فاقد البصر والبصيرة والبصائر من يحمله الجنون الى مستنقع الانقلابات بينما الجار الشرقي على فوهة بركان والجار الغربي بلا رئيس يترقب الحراك فيه فجوة كورونا لينطلق، فيما القوى الراعية للانقلابات ترتجف بعد رحيل الراعي ترامب.
أيضا كان يسع سعيّد أن يخبرهم بأنّه حسم أمره مع الإمارات ولم يعد يترقّب منها خيرا، بعد الردود الجافّة على بعض مطالبه وتجاهل كلّ خطوات التقرّب التي أقدم عليها وأنّ أبو ظبي تعاملت مع كلّ مقترحات تبادل الزيارات بعنجهيّة وكبر وعجرفة متناهية، ولم تتوقّف عن ذلك الحدّ بل كرّرت ما صنعته مع السبسي، بعد أن نفّذ سعيّد زيارة مثمرة إلى قطر، حينها ومن خلال التأشيرات أرسل بن زايد رسائل مهينة ومنحطّة.
كان يسع سعيّد أن يخبر القوم بأنّه نفض يده من غرف الانقلابات الإقليميّة وأنّه تقدّم بخطوات سريعة ومركّزة تجاه قطر، وتأكّد أنّه يمكن لتونس قيس سعيّد أن تستفيد من الدوحة كما استفادت تونس المرزوقي وتونس السبسي، وأنّ قطر لا تشترط أحزابا معيّنة في السلطة أو شخصيّات بعينها للتعامل معها وتمدّ عبرها يد المساعدة لتونس وأنّها لا تتدخّل في سير العلاقة بين تونس ورباعي الحصار أو غيرها من الدول.
كان يمكن لسعيّد أن يخبرهم بأنّ رباعي الحصار والانقلابات لا يمكن أن يقدّم عُشر ما قدّمته وستقدّمه قطر دون شروط ولا اشتراطات، وأنّ الدوحة وعدت بالوقوف إلى جانب تونس ما بعد كورونا بل جعلتها أولويّة إلى جانب بعض العلاقات المتميّزة الأخرى، كان عليه مصارحتهم أنّه ما كان يستطيع قبول رئاسة الرابطة الدوليّة لفقهاء القانون الدستوري ثمّ يعود إلى تونس ليستمع إلى قوى الفشل الحزبي والإفلاس النخبوي وهي تراوده على توقيع برقيّة عاجلة توجّه إلى رئاسة الأركان.
كان على سعيّد أن يخبرهم بأنّه قرّر زيارة تركيا في أوّل فرصة بعد كورونا وأنّ مشاريعا في الطريق بين البلدين وأنّ اللقاء الذي جمع الأربعاء 9 ديسمّبر وزير الدفاع السيّد إبراهيم البرتاجي وسفير تركيا بتونس” Ali ONANER” أعاد إحياء التعاون العسكري بين تونس وتركيا وتقرّر أن يكون لبنة جديدة لفتح مشاريع ظلّت حبرا على ورق، وأنّ وزير الدفاع التونسي شكر تركيا على كلّ المساعدات العسكريّة السابقة وعبّر للسفير التركي عن أمله في تكثيف التعاون العسكري في مجالات التكوين والصّناعات العسكريّة ونقل التكنولوجيّا والصحّة العسكريّة وأنّه في نفس اليوم ” 9 ديسمبر” الذي التقى فيه سفير تركيا بوزير الدفاع من أجل التمهيد للاتفاقيّات العسكريّة المرتقبة نشرت الجريدة الرسميّة التركيّة قرارا بمنح تونس 5 مليون دولار لمجابهة وباء كورونا.. بل كان يمكنه إطلاعهم حتى على أدقّ التفاصيل ووضعهم في جزئيّات الصّورة، كان يمكن إخبارهم عن الممثلة التركيّة مريم أوزرلي”Meryem Uzerli” التي ستحلّ بتونس للتباحث حول المشاركة في فيلم سينمائي سينطلق تصويره سنة2022.
ثمّ كان علي قيس سعيّد أن يخبرهم أنّه ما زال في كامل مداركه العقليّة حتى يقوم بإسقاط البرلمان والذهاب إلى انتخابات ستتصدّر فيها النّهضة وائتلاف الكرامة والحزب الدستوري وقلب تونس وتغيب فيها بقيّة الأحزاب خاصّة إذا تمّ إقرار عتبة 3% أمّا إذا زادت إلى 5% فتلك إذا قصّة أخرى. ثمّ إنّه لا يمكن أن يخرج منها المرزوقي سالما وكذا السبسي وفي الأخير تتحدّث الأجيال بأنّ أول تجربة ديمقراطيّة عربيّة أجهز عليها شخص يقال له قيس سعيّد وربّماانجرّ عن تلك المغامرة أكبر مصيبة في تاريخ تونس وربّما في التاريخ العربي، حينها سيرسم اسم سعيّد تماما إلى جانب الصربي غافريلو برينسيب صاحب أكبر مصيبة في التاريخ الحديث، ذلك الشقيّ المراهق الذي تسبّب في قتل 16 مليون إنسان وإنهاء 4 إمبراطوريّات.
نصرالدّين السويلمي