آخر الفضائح التي انتهكت صورة البلاد التونسية في الخارج، كانت إحدى حلقات الصور المتحركة الأمريكية الشهيرة “American Dad”، التي بثت سرقة أبطالها، في مطار تونس قرطاج الدولي.
من أبرز ما تم تداوله بالأمس على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”، صورة مطار تونس قرطاج الدولي، مأخوذة من صور متحركة أمريكية وكان أول من شارك بها على صفحته الإعلامي بوبكر الصغير الذي اعتبرها فضيحة الفضائح، معلقا: “مطار تونس قرطاج يظهر في الصور المتحركة الأمريكية المشهورة “American Dad” والحلقة تحكي أن العائلة الأمريكية أبطال الصور المتحركة في زيارة إلى بلادنا تمّ سرقة حقائبهم”.
وكانت المفاجأة المؤلمة بعد مشاهدة رابط فيديو هذه الحلقة من الصور المتحركة، والتي صورت مطار تونس قرطاج الدولي وأمامه علم تونس يرفرف، أي صورة هذه التي روجت عن تونس؟ يفعلها ضعيفو النفوس من الأفراد ويتحمل تبعات جرائمهم الوطن، هل هذه هي حقيقة تونس، التي سرق فيها بغل أحد الرحالة العرب، في قديم الزمان؟ هل قدر البلد أن تكون صورته من أخطاء الأفراد؟ أم أن تونس اليوم يغيب فيها مفهوم الدولة بما هي رمز للسلطة وللقانون؟…
تونس هذه الرقعة الجغرافية التي تقول الأسطورة بأن مساحتها حددت بجلد ثور، أصبحت صورتها في العالم، صورة سلبية على كل المستويات ، فهي غارقة في الديون، والعداد بدأ يدق ناقوس خطره لإعادة هذه الديون، وهي أيضا مصنفة كأكبر بلد منتج للإرهابيين، وكل النسب والأرقام التي تصنف الدول جعلت تونس في أسفل الترتيب العالمي، ما هي الأسباب، وما هي الحلول للخروج من هذا المستنقع المظلم، أسئلة طرحتها “الشروق” في الملف التالي.
حرية تعبير
قبل تحليل هذا الوضع المتردي ولا ريب، كان للدكتور رضا النجار الخبير الإعلامي، رأي مختلف، حول موضوع الصورة التي سوقتها حلقة الصور المتحركة الأمريكية، وخير عدم تناول الموضوع إعلاميا من أساسه، لأن ذلك يروج لهذه الصورة وقد يحمل على معنى الصنصرة، خاصة وأن العمل فني، وبالتالي ما يقدمه يدخل في باب الخيال لا في باب الحقيقة، تماما كفيلم يتناول مثلا موضوع الإرهاب ويقدم إرهابيين من تونس، أو غيرها من البلدان العربية…
ومن جانبه اعتبر الدكتور عبد الجليل بوقرة أستاذ التاريخ المعاصر، أنه لا يرى إساءة في ما بثته الصور المتحركة الأمريكية، لأن الوضع تغير في العالم حيث أصبحت المعلومة تتنقل بسرعة كبيرة جدا، ومعها أصبح مستحيلا تطبيق المثل الشعبي “دارنا تستر عارنا”، واليوم ما هو مطلوب التحسين الذاتي لأننا المسؤولون عن تلك الصورة وليس غير نا، على حد قوله.
وهو أيضا ما ذهب إليه الروائي محمد عيسى المؤدب، والفنانة المسرحية ليلى طوبال، الذين اعتبرا العالم اليوم عبارة عن قرية صغيرة، من خلال الأنترنيت وما جاورها من وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، “فاليوم أصبح الخبر يسري سريان النار في الهشيم، وليس ثمة وسيلة لغربلة المعلومة التي تتوزع بسرعة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي” هكذا عبرت ليلى طوبال، التي اعتبرت أيضا أن المشكل في أخلاق المعلومة.
غياب الدولة المصابة أصلا بالسرطان
ومن أسباب هذه الصورة المهتزة عن تونس، لخص الروائي محمد عيسى المؤدب، الإشكال في سبب رئيسي، وأصل كل الأسباب، وهو أن الدولة التونسية، غير متواجدة في السنوات الأخيرة، لذلك دعا محدثنا إلى ضرورة تواجد الدولة لإيقاف هذا النزيف الذي يضرب هويتنا في العمق، وذهب المؤدب مفسرا قوله، إلى تونس قوانينها الداخلية هشة، وتغيب فيها السياسة الردعية والسرعة في تطبيق القوانين، مشيرا إلى ناقوس الخطر دق منذ سنوات عندما تفشى الفساد في المؤسسات العمومية وبرز الاستهتار بالواجب وبالقانون، واستفحل الإهمال والتهاون مما ولد السرقات في كل القطاعات وبشتى الأنواع وولد أيضا الجرائم بمختلف أنواعها…
وغير بعيد عن محمد عيسى المؤدب، ذهبت الفنانة المسرحية ليلى طوبال، إلى أن تونس أصابها مرض السرطان عفانا وعفاكم الله “من بابها إلى محرابها” ومن جميع الأنواع، مشددة على أنه ثمة ما سمته “ماكينة” تعمل على تخريب البلاد، وضربت مثالا على ذلك مدرسة الرقاب وعمليتي باردو وسوسة الانتحاريتين، معتبرة أن هذه هي الصورة التي سوقت عن تونس فدمرتنا على حد تعبيرها.
وأكّدت ليلى طوبال أنه حتى في زمن بن علي، لم تكن صورة تونس بهذا السواد، مشيرة إلى أنها تعرضت للسرقة في مطارات دول أجنبية، لكن في تونس، والقول لمحدثتنا: “ليس ثمة محاسبة على جميع المستويات، والفساد يشمل كل القطاعات من الصحة إلى التعليم إلى الثقافة والإعلام، وثمة حالة انفلات وانهيار إلى درجة أننا وصلنا للقاع، ومازلنا نحفر، لذلك يجب أن تعود روح ثقافة المواطنة، لأن الناس شعروا بأنهم يمكن أن يقوموا بأي شيء، ولا أحد بإمكانه محاسبتهم”. وعلى صعيد متصل شددت ليلى طوبال، على أن المصيبة متأتية من أناس لم يعملوا منذ سنوات، ثم شغلوا المناصب دون أدنى خبرة، واليوم لا يمكن فرز الغث من السمين لأن الساسة لا يفكرون في غير مصالحهم الشخصية ومن هذا المنطلق نحن في وضعية تعيسة سببها الكراسي، والبلاد تحتضر كما جاء على لسانها.
الدولة القوية
وغير بعيد عن محمد عيسى المؤدب وليلى طوبال، أكّد الباحث عبد الجليل بوقرة، أن المعضلة اليوم أكبر من سرقات في مطار، بل المعضلة تتمثل في ضعف الدولة التونسية والتجرأ عليها، وعندما تضعف الدولة تتعاظم الجريمة المنظمة وتتغول، وتابع محدثنا في هذا الصدد: “اليوم المطلب الرئيسي هو استعادة الدولة لعافيتها ولدورها ثم نتحدث عن الاستثمار والأشياء الجميلة، اليوم نحن بحاجة إلى الدولة القوية التي تطبق القانون على الجميع، لا الدولة الظالمة، هذا أصل الداء..”وأبرز بوقرة، أن بلادنا بها هيئات رقابية وقوانين، لكنها لا تطبق وذلك لضعف الدولة وكل مؤسسات الدولة والسلط الثلاث، وفسر قوله هذا كالآتي: “فالسلطة التشريعية تسبح في أسلاك وتعيش أمراض على غرار السياحة الحزبية التي أسميها عربدة حزبية، والقضاء يتقدم ببطء في معالجة القضايا الكبرى، والسلطة التنفيذية لا تنفذ القانون”.
وشدد السيد عبد الجليل بوقرة على أن معضلة تونس منذ سنة 2011 هي ضعف الدولة، معتبرا أن تونس لم تنجح في الانتقال من دولة قوية متسلطة إلى دولة قوية وعادلة، وأكّد بالعودة إلى موضوع حديثنا، أن ما يقع في المطار فضائح بأتم معنى الكلمة لأن المطار هو واجهة البلاد لأنه أول وآخر ما يعترض الزائر، “تماما كما في منازلنا نهتم بقاعة الضيوف أكثر من غرفة النوم”، وأردف: “اليوم أصبحنا لا نهتم بشيء، عراك سياسي وطبقة سياسية في واد وواقع في واد آخر ونتمنى أن تستفيق قبل أن يجرفنا الطوفان”.
المصدر : الشروق