free page hit counter

اخبار محلية

اتحاد الشغل يكشف: هذه هي الزيادة الشهرية التي تعتزم الحكومة إضافتها لأجور الموظفين…

جدل واسع حول الفصل 15: هل تملك الحكومة صلاحية الترفيع في الأجور دون مفاوضات؟

متابعة موقع تونيميديا – قسم الاقتصاد

أثار الفصل 15 من مشروع قانون المالية لسنة 2026 موجة واسعة من الجدل، بعد أن تضمّن مقترحًا يقوم على الترفيع في الأجور على مدى ثلاث سنوات بنسبة تقدّر بحوالي 3% سنويًا، وذلك دون المرور بمسار التفاوض الاجتماعي المعتاد بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل وبقية الأطراف الاجتماعية. الإجراء أثار اعتراضات واسعة لدى المختصين في الاقتصاد والقانون الاجتماعي، واعتبره كثيرون انزياحًا عن قواعد الحوار الاجتماعي التي تُعدّ أحد ركائز المنظومة الاجتماعية التونسية.


اللاحقة: الإجراء “غير قانوني” ويبعث برسالة سياسية أكثر منها اقتصادية

اعتبر الخبير الاقتصادي لدى قسم الدراسات في الاتحاد العام التونسي للشغل، عبد الرحمان اللاحقة، أن الفصل 15 في صيغته الحالية يمثل خرقًا لأبجديات التفاوض الاجتماعي، مشيرًا إلى أن الحكومة لا تملك قانونيًا صلاحية الترفيع في الأجور بشكل أحادي، خصوصًا في القطاعات الخاضعة لاتفاقيات مشتركة. وأوضح أن الفصل المذكور يعطي للحكومة سلطة أحادية في تحديد الزيادات، بما يتعارض مع النصوص المنظمة للحوار الاجتماعي في تونس.

ويرى اللاحقة أن الخطوة تحمل بعدًا سياسيًا أكثر من كونها إجراء اقتصاديًا مدروسًا، حيث تهدف ـ وفق قوله ـ إلى إزاحة الاتحاد العام التونسي للشغل عن موقعه الطبيعي كفاعل محوري في ضبط السياسات الاجتماعية، وذلك عبر تقديم الحكومة نفسها كصاحبة القرار النهائي دون الحاجة للتفاوض مع الشركاء الاجتماعيين.

وأشار إلى أن الزيادة المعلن عنها، والتي لن تتجاوز 3% (أي حوالي 60 دينارًا في أفضل الحالات)، تبقى بعيدة جدًا عن معالجة الانهيار الكبير في القدرة الشرائية الذي تجاوز 23% منذ سنة 2022، مما يعني أن تأثيرها سيكون محدودًا على واقع الموظفين والأجراء.

الاتحاد العام التونسي للشغل: مساس خطير بمنظومة الحوار الاجتماعي

من جهته، عبّر الاتحاد العام التونسي للشغل عن رفضه القاطع للتوجه الذي أعلنه وزير الشؤون الاجتماعية خلال جلسة برلمانية، والمتعلق بإمكانية ضبط الزيادات في الأجور عبر أمر حكومي. واعتبر الاتحاد أنّ أيّ توجه من هذا النوع يُعدّ “مساسًا خطيرًا بمنظومة الحوار الاجتماعي” وضربًا لأدوار المنظمات الوطنية التي نص عليها القانون والدستور.


كما أكد الاتحاد أنّ الأجور في تونس يتم تعديلها حصريًا عبر المفاوضات الجماعية، ضمن منظومة تراعي التوازن بين حقوق الأجراء وقدرات المؤسسات الاقتصادية، سواء كانت عمومية أو خاصة. وبالتالي فإن أي محاولة لإقرار زيادات عبر أوامر حكومية يعدّ تجاوزًا صريحًا للقانون ولمجلة الشغل.

الفصل 15 بين القانون والدستور: أين تكمن الإشكالية؟

ينص مشروع قانون المالية لسنة 2026 على إمكانية إدراج زيادات للأجور تُصرف تدريجيًا خلال ثلاث سنوات. ويقوم هذا المقترح على تقديرات الحكومة حول الوضعية المالية العامة وضرورة التحكم في نفقات الأجور، التي تشكل أحد أكبر بنود ميزانية الدولة.

لكن الإشكال القانوني يكمن ـ وفق خبراء في القانون الاجتماعي ـ في أن الأجور ليست مجرد رقم محاسبي داخل الميزانية، بل هي جزء من منظومة تنظيمية تشمل الاتفاقيات المشتركة القطاعية والأساسية، إضافة إلى دور الاتحاد العام التونسي للشغل باعتباره شريكًا رئيسيًا في كل مفاوضات الأجور منذ عقود.

ويشير المختصون إلى أن الدستور التونسي ومجلة الشغل يُلزمان الحكومة باحترام مبدأ “الحوار الاجتماعي”، ويمنعان أي تدخل أحادي في المنظومة التعاقدية التي تربط العمال والمؤسسات. لذلك يرى كثيرون أن تمرير الفصل 15 دون تنقيح يعتبر خرقًا لمبدأ التفاوض الاجتماعي، وقد يفتح الباب أمام طعون قانونية.

هل يمكن تنفيذ الزيادات في ظل الأزمة الاقتصادية؟

رغم الجدل القانوني والسياسي، يطرح الخبراء أيضًا سؤالًا اقتصاديًا مهمًا: هل تملك الدولة أصلًا القدرة المالية على تنفيذ زيادات سنوية في الأجور؟
تؤكد بيانات السنوات الأخيرة أن كتلة الأجور تمثل عبئًا كبيرًا على المالية العمومية، وهي من أعلى النسب في المنطقة مقارنة بالناتج الداخلي الخام.

وتعتبر الحكومة أن إقرار زيادات تدريجية قد يخفّف من الاحتقان الاجتماعي، لكنه في المقابل يزيد من صعوبة ضبط عجز الميزانية، خصوصًا في ظل تراجع النمو الاقتصادي وتباطؤ الاستثمار، وارتفاع نسب التضخم التي أرهقت المقدرة الشرائية للطبقات المتوسطة والضعيفة.

الاتحاد يتمسّك بالتفاوض الجماعي: لا بديل عن الحوار

أكد الاتحاد العام التونسي للشغل أن الحوار الاجتماعي هو الضمان الوحيد للحفاظ على السلم الاجتماعية، وتحقيق عدالة الأجور، وتجنب الصدام بين الحكومة والأجراء.
ويرى الاتحاد أنّ التنقيح المقترح للفصل 15 يجب أن يتم في إطار احترام آليات التفاوض الجماعي وبمشاركة الاتحاد ومنظمة الأعراف، وبما ينسجم مع الدستور والقوانين المنظمة للأجور.

كما دعا الاتحاد الحكومة إلى مراجعة مقاربتها في ملف الأجور، وتقديم تصور شامل يشمل مكافحة التضخم، تحسين الإنتاجية، إصلاح المؤسسات العمومية، وتفعيل سياسات اجتماعية واقتصادية تقلّص من الهوة بين الأجور وكلفة العيش.


خاتمة: نحو تعديل منتظر للفصل 15

تشير المعطيات الحالية إلى أن الفصل 15، في صيغته الحالية، لن يمرّ دون مراجعة في البرلمان، في ظل اعتراض خبراء الاقتصاد والقانون، ورفض الاتحاد العام التونسي للشغل للمنهجية الحكومية.
وتبقى إمكانية إدخال تعديلات جوهرية على المشروع واردة بقوة، خاصة أن احترام التفاوض الاجتماعي يعدّ أحد المرتكزات الأساسية لضمان استقرار اجتماعي واقتصادي في الفترة القادمة.

ولعلّ التحدي الأكبر اليوم ليس فقط في كيفية تعديل الأجور، بل في بناء رؤية اقتصادية واجتماعية متوازنة تحفظ القدرة الشرائية للمواطنين، وتحمي المالية العمومية، وتعيد الثقة بين الدولة وشركائها الاجتماعيين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً