تصعيد تجاري متبادل بين واشنطن وبروكسل: شبح “الجمعة السوداء” يخيّم على الأسواق الأوروبية

تصعيد تجاري متبادل بين واشنطن وبروكسل: شبح “الجمعة السوداء” يخيّم على الأسواق الأوروبية
شهدت أسواق الأسهم الأوروبية حالة من الهدوء الحذر بعد يوم عصيب سُمِّي بـ”الإثنين الأسود”، حيث تكبّدت البورصات خسائر فادحة بفعل التصعيد الجديد في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وقد جاء هذا التصعيد إثر ردّ الصين برفع الرسوم الجمركية على السلع الأميركية بنسبة 34%، وهي النسبة ذاتها التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الواردات الصينية في مطلع أبريل/نيسان الجاري.
غير أن العاصفة لم تتوقف عند هذا الحد، فقد أصبحت أوروبا بدورها على خط النار. ففي حال فشل المساعي الأوروبية الأخيرة لإيجاد حل وسط مع واشنطن، ستدخل الرسوم الأميركية الجديدة على المنتجات الأوروبية، بنسبة تصل إلى 20%، حيّز التنفيذ اعتباراً من صباح 9 أبريل. هذا الأمر يهدد بموجة جديدة من التقلبات في الأسواق المالية، وسط مخاوف من تصعيد إضافي قد يدخل الاقتصاد العالمي في نفق مظلم من الحرب التجارية الشاملة.
وفي محاولة لتفادي هذه المواجهة، تقدمت المفوضية الأوروبية باقتراح جديد للإدارة الأميركية يتضمن إعفاءً متبادلاً وكاملاً من الرسوم الجمركية على المنتجات الصناعية. ويهدف هذا الطرح إلى معالجة الفجوة التي يتحدث عنها ترامب، والتي يقدّرها فريقه بـ39% بين التعرفات الأوروبية والأميركية. كما قد يؤدي، في حال تم اعتماده، إلى تقليص العجز في الميزان التجاري بين الجانبين، والذي يراه الأوروبيون في حدود 48 مليار يورو، بينما يصرّ ترامب على أنه يبلغ 350 مليار دولار.
ورغم رفض ترامب الفوري للاقتراح الأوروبي واعتباره “غير كافٍ”، إلا أنه أبقى الباب موارباً أمام إمكانية التفاوض، ولكن وفق شروط أميركية أكثر صرامة. ويرى ترامب أن الحل لا يكمن فقط في تصفير الرسوم الجمركية، بل في التزام أوروبي بشراء كميات ضخمة من الطاقة الأميركية (غاز ونفط) تعادل حجم العجز التجاري، وفق تقديره.
لكن هذا الشرط الأميركي يصطدم بجدار الواقع الأوروبي، إذ أن حجم استهلاك الاتحاد الأوروبي من الطاقة لا يتيح استيعاب كميات إضافية بهذا الحجم، دون التخلي الكامل عن مصادر الطاقة التقليدية مثل النرويج وهولندا والجزائر، إلى جانب المصادر الخليجية.
من هذا المنطلق، يبدو أن أوروبا تميل إلى تقديم تنازلات جزئية، كتقليص الفائض التجاري مع الولايات المتحدة عبر خفض بعض الرسوم أو زيادة محدودة في واردات الطاقة، لكنها في الوقت ذاته لا تراهن كثيراً على تراجع ترامب عن سياسة التصعيد.
وقد بدأت بروكسل فعلياً في اتخاذ خطوات احترازية، حيث اقترب وزراء التجارة الأوروبيون، خلال اجتماعهم في لوكسمبورغ، من إقرار قائمة أولية من المنتجات الأميركية التي ستخضع لرسوم جمركية قد تصل إلى 20%، ابتداءً من 15 أبريل، مع خطط لموجة ثانية من الرسوم في منتصف مايو/أيار المقبل، في حال فشل المفاوضات.
بين التوتر والتحفز، ترقب الأسواق العالمية مصير هذا الاشتباك التجاري المستعر، والذي قد يعيد رسم خريطة التجارة الدولية لعقود مقبلة.